[ القول في
إقرار الوارث بالوصية ] .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وكذلك لو
شهد أن أباه أوصى له بثلث ماله "
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا كانت الدعوى في
وصية اعترف بها أحد [ ص: 218 ] الابنين وأنكرها الآخر . فهي على ضربين :
أحدهما : أن تكون غير معينة كالوصية بالثلث ، فلا يلزم المقر بها إلا قدر حصته وهو نصف الثلث ، بوفاق
أبي حنيفة وجميع أصحابنا . بخلاف الدين المختلف فيه ، لوقوع الفرق بينهما ، فإن جميع الدين مستحق فيما يوجد من قليل التركة وكثيرها . والوصية بثلث التركة لا يستحق إلا من جميعها .
والضرب الثاني : أن تكون الوصية معينة في ثلثي شيء من التركة ، كالوصية بدار اعترف بها أحدهما وأنكرها الآخر : فلا تخلو الدار من ثلاثة أحوال :
أحدهما : أن تكون باقية في التركة لم يقتسماها ، فلا يلزم المقر إلا نصفها على المذهبين . لأنه لا يملك منها إلا النصف ، وعلى المنكر اليمين فإذا حلف ، حسب على المقر قيمة النصف من حصته .
فلو أقر أحدهما أن أباه وصى بجميع هذه الدار لزيد ، وأقر الآخر أنه وصى بجميعها لعمرو ، كان نصف الدار لزيد فمن حصته من صدقة ولا يمين عليه لعمرو ، ونصف الدار لعمرو ، وهو حصة من صدقة ، ولا يمين عليه لزيد ، لأنه لو تصادق الأخوان على الوصيتين لكانت الدار بين زيد وعمرو نصفين ، وقد صارت بينهما كذلك فلم يكن التكذيب مضرا ، وانتقلت المنازعة بين زيد وعمرو ، لأن كل واحد منهما يدعي أنه أحق بجميعها من صاحبه ، فيتحالفان عليها وتقر بعد أيمانهما بينهما ، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر ، قضى بجميعها للحالف دون الناكل .
والحال الثانية : أن تكون الدار قد حصلت في سهم المقر بعد القسمة . فيلزمه
تسليم جميعها ، لأنه معترف بها للموصى له ، ويصير خصما لأخيه في نصفها ، وليس بين الموصى له والمنكر مخاصمة ، لوصوله إلى حقه من المقر .
والحال الثالثة : أن تكون الدار قد حصلت في سهم المنكر ، فلا شيء على المقر بها لأنه لا يملكها ، ولا مطالبة عليه بها ولا بقيمتها ، فإذا حلف المنكر برئ من المطالبة وحصلت له الدار وبطلت الوصية بها .
فإذا كان المقر عدلا ، فشهد على أخيه بالوصية بالدار سمعت شهادته وحكم بها على أخيه مع شاهد آخر أو مع عين الموصى له ، وانتزعت الدار من يده بالوصية ، ولم يرجع على أخيه ببدلها من تركة أبيه وإن اعترف له بذلك ، لأنه بالإنكار جاحد لاستحقاق غيره والله أعلم بالصواب .