[ القول في
سؤال القاضي عن جهة التحمل ] .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وأحب للقاضي أن لا يقبل هذا منه ، وإن كان على الصحة ، حتى يسأله من أين هي ؟ فإن قال بإقرار منه ، أو ببيع حضرته ، أو سلف أجاز ، ولو لم يسأله رأيته جائزا " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ،
ينبغي للشاهد إذا شهد عند الحاكم بحق على رجل أن يستوفي الشهادة بذكر السبب الموجب للحق ، وحتى لا يحوج الحاكم أن يسأل عن سبب وجوبه .
فيقول : " أشهد إنه أقر عندي أو حضرت عقد بيع وجب به ، فإن أغفل الشاهد ذكر السبب فقال : أشهد أن له عليه ألف درهم ينبغي للحاكم أن يقول له : " من أين شهد عليه ؟ ولا يقول : كيف شهدت عليه ، لأن قوله : كيف شهدت عليه ؟ قدح ، وقوله : من أين شهدت عليه ؟ استخبار ، وللحاكم أن يستخبر الشاهد ، وليس له أن يبتدئ بالقدح فيه .
فإذا سأله الحاكم : من أين شهدت عليه ؟ فينبغي للشاهد أن يبين له ، هل شهد
[ ص: 229 ] على إقراره بالحق ، أو عن حضور السبب الموجب للحق ليزول به الاحتمال عن شهادته .
فإن سأله الحاكم وأجابه الشاهد ، فقد قام كل واحد منهما بما عليه ولزم الحكم بالشهادة ، إذا صحت .
وإن سأله الحاكم ، فلم يجبه الشاهد ، فقد قام الحاكم بما عليه من السؤال ، وقصر الشاهد فيما إليه من الجواب ، فينظر الحاكم في حال الشاهد ، فإن كانت فيه غفلة ، لم يحكم بشهادته ، لاحتمالها مع الغفلة ، وإن كان ضابطا متيقظا ، حكم بشهادته لانتفاء الاحتمال بالضبط والتيقظ .
وإن لم يسأله الحاكم ، فالحاكم هو المقصر ، وحكمه إن حكم بالشهادة نافذ ، لأن سؤاله استظهار ، وتحمل الشهادة على ظاهر الصحة إلى أن يثبت ما ينافيها والله أعلم .