[ ص: 235 ] [ باب الشهادة على الحدود وجرح الشهود ] .
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " وإذا
شهدوا على رجل بالزنا ، سألهم الإمام : أزنى بامرأة ؟ لأنهم قد يعدون الزنا وقوعا على بهيمة ، ولعلهم يعدون الاستمناء زنا ، فلا يحد حتى يثبتوا رؤية الزنا ، وتغييب الفرج في الفرج ، ( قال
المزني : ) رحمه الله : وقد أجاز في كتاب الحدود أن إتيان البهيمة كالزنا يحد فيه ، قال : ولو شهد أربعة ، اثنان منهم أنه زنى بها في بيت ، واثنان منهم في بيت غيره ، فلا حد عليهما ، ومن حد الشهود إذا لم يتموا أربعة حدهم ، ( قال
المزني ) رحمه الله : قد قطع في غير موضع بحدهم " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، لأن حد الزنا مغلظ على سائر الحدود لثلاثة أمور :
أحدها : أنه يفضي إلى إتلاف النفوس .
والثاني : أنه يدخل به تعدي المعرة الفاضحة .
والثالث : أنه يفسد به النسب اللاحق .
ولذلك وجب الحد على القاذف به صيانة للأعراض وحفظا للأنساب ، وتغليظه من وجهين :
أحدهما : في عدد الشهود ، وهم أربعة خص بهم الزنا من جميع الحدود ، لقوله تعالى :
والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة [ النور : 4 ] .
ولا يوجب الحد بأقل من أربعة عدول لا امرأة فيهم .
والوجه الثاني : تغليظه بالكشف عن حال الشهادة حتى تنتفي عنها الاحتمال من كل وجه ويشمل هذا الكشف على ثلاثة فصول :
أحدها : عن حال الزنا .
والثاني : عن صفته .
[ ص: 236 ] والثالث : عن مكانه .
فأما الفصل الأول : في السؤال عن حال الزنا .
فيسأل الحاكم شهود الزنا : عن الزنا ؟
لأن استدعاء الشهوة بالإنزال المحظور ، قد يكون من أربعة أحوال :
أحدها : الزنا بامرأة ، وهو صريح الزنا اسما وحكما ، فإذا قالوا : " زنى بامرأة " .
لم يسمع الحاكم هذا منهم حتى يقولوا من المرأة ، لأنها ربما كانت زوجته أو أمته ، كان وطؤها حلالا ، وإن كانت ذات شبهة ، كان وطؤها مشتبها يسقط فيه الحد ، ولزم بيانها ليعلم أن وطأها زنا ، وبيانها يكون من أحد وجهين :
أحدهما : إما أن تعين بالتسمية لها ، أو بالإشارة إليها ، فيصيروا شاهدين عليها بالزنا .
وإما أن يطلقوا ويقولوا : زنا بأجنبية منه ، غير مسماة ولا معينة ، فتصح الشهادة عليه دونها ، ولا يلزم في الشهادة أن يقولوا : وطئها بغير شبهة ، لأنها معتقدة غير مشاهدة ، اختصاصها بمعتقد الواطئ ، فإن ادعاها ، قبلت إذا أمكنت ، ولا يكون الشهود معها قذفة .
وهكذا لو
شهدوا على امرأة بالزنا ، لم تقبل شهادتهم حتى يذكروا الزاني بها من أحد الوجهين ، إما بالتسمية أو بالإشارة ، فيصيروا شاهدين عليهما بالزنا ، وإما أن يطلقوا فيقولوا : زنى بها أجنبي منها ، فيصيروا شاهدين عليها دونه .