الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
[ القول في اختلاف الشهادة في السرقة ] .

مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو شهدا بأنه سرق من هذا البيت كبشا لفلان فقال أحدهما : غدوة ، وقال الآخر : عشية ، أو قال أحدهما : الكبش أبيض ، وقال الآخر : أسود ، لم يقطع حتى يجتمعا ويحلف مع شاهده أيهما شاء " .

قال الماوردي : اختلفت الرواية في صورة الشهادة ، فرواها بعض أصحابنا أنهما شهدا أنه سرق منه كيسا ، إشارة إلى كيس الدراهم والدنانير .

ورواها أكثرهم أنهما شهدا أنه سرق منه كبشا ، إشارة إلى كبش الغنم ، وهذه الرواية أصح الأمرين :

[ ص: 245 ] أحدهما : أن كيس الدراهم والدنانير شهادة بمجهول ، وكبش الغنم شهادة بمعلوم .

والثاني : أن الشافعي قال في الأم : ولو قال أحدهما : إنه أقرن ، وقال الآخر : إنه أجم ، وقال أحدهما : إنه كبش ، وقال الآخر : نعجة ، وهذا من أوصاف الغنم .

فإذا شهد الشاهدان بسرقة الكبش ، فقال أحدهما : سرقه غدوة ، وقال الآخر : سرقه عشية ، أو قال أحدهما : هو أبيض ، وقال الآخر : هو أسود ، لم تتفق شهادتهما على سرقة واحدة ، لأن السرقة غدوة غير السرقة عشية ، والمسروق الأبيض غير المسروق الأسود .

وحكي عن أبي حنيفة : أن الشهادة بالبياض والسواد غير مختلفة ، لأنه يجوز أن يكون أحد جانبي الكبش أبيض وجانبه الآخر أسود ، فيرى كل واحد منهما ما إلى جانبه فيصفه به ، وهذا ليس بصحيح لأمرين :

أحدهما : أن كل واحد منهما يشهد بصفة جميعه ، وهذا التأويل ينافيها .

والثاني : أنه تأويل شهادة محتملة بما بعد تأويلها ، والشهادة لا يحكم بها إلا مع انتفاء التأويل عنها .

فثبت أن شهادتهما غير متفقة على سرقة واحدة ، فلم تكمل بهما بينة توجب غرما ولا قطعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية