[ القول في
رجوع شهود المال ] .
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " وإن كان في دار ، فأخرجت من يديه إلى غيره عزروا على شهادة الزور ، ولم يعاقبوا على الخطأ ، ولم أغرمهم من قبل أني جعلتهم عدولا بالأول ، فأمضينا بهم الحكم ، ولم يكونوا عدولا بالآخر ، فترد الدار ، ولم يفيتوا شيئا لا يؤخذ ، ولم يأخذوا شيئا لأنفسهم ، فأنتزعه منهم ، وهم كمبتدئين شهادة لا تقبل منهم ، فلا أغرمهم ما أقروه في أيدي غيرهم " .
قال
الماوردي : وهذه المسألة هي القسم الثالث في رجوعهم عما اختص بالأموال ، وهو ضربان : عين ودين .
فأما العين
فكالدار والدابة إذا كانت في يد رجل يتصرف فيها تصرف المالكين الحائزين ، فشهد الشهود بها لغيره فانتزعها الحاكم من يده بشهادتهم وسلمها ، إلى [ ص: 267 ] المشهود له ، ثم رجع الشهود ، لم يجز أن ينتزعها من المشهود له لنفوذ الحكم بها ، والحكم لا ينتقض برجوعهم .
فأما وجوب غرمها على الشهود ، فالذي نص عليه
الشافعي فيها وذكره هنا وفي غيره من الكتب لا رجوع على الشهود بغرمها .
وقال فيمن أقر بدار في يده أنه غصبها من زيد ثم قال : لا بل غصبتها من عمرو :
إنها تكون لزيد لتقدم الإقرار بها له ، وهل يجب قيمتها لعمرو أم لا ؟ على قولين :
وكذا قال في عبد أعتقه من هو في يده ، ثم أقر بغصبه من عمرو ، هل يغرم قيمته لعمرو أم لا ؟ على القولين .
ورجوع الشهود كرجوع المقر بالغصب فاختلف أصحابنا في الجمع بينهما على وجهين :
أحدهما : وهو قول
أبي العباس بن سريج وطائفة " أنهما سيان ، وفي غرم الشهود إذا رجعوا قولان :
أحدهما : عليهم غرم قيمة العين ، وهو المخرج ، وبه قال
أبو حنيفة لاستهلاكها على مالكها حكما ، فصار كاستهلاكها عليه ، فعلى هذا في قيمتها وجهان :
أحدهما : وهو قول
أبي العباس بن سريج عليهم قيمتها يوم الحكم بشهادتهم .
والوجه الثاني : عليهم أكثر قيمتها من يوم الحكم بشهادتهم إلى وقت رجوعهم .
فهذا حكم القول الأول .
والقول الثاني : وهو المنصوص عليه : لا غرم عليهم ، لأن الأعيان تضمن بواحد من أمرين : إما بإتلاف أو بيد ، ولم يكن من الشهود إتلاف العين لبقائها ، ولا يد لعدم تصرفهم فيها . فسقط غرمها عنهم .
والوجه الثاني : من مذهب أصحابنا : وهو قول أكثرهم ، أنه لا غرم على الشهود قولا واحدا . وإن كان في غرم المقر بالغصب قولان لوقوع الفرق بينهما بأن للغاصب يدا صار بها ضامنا ، وليس للشهود يد يضمنون بها فافترق حكمها .