فصل : وأما
الدعوى الفاسدة ، فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : ما عاد فساده إلى المدعي .
والثاني : ما عاد فساده إلى الشيء المدعى .
والثالث : ما عاد فساده إلى سبب الدعوى .
فأما الضرب الأول في عود فساده إلى المدعي ، فكمسلم ادعى نكاح مجوسية أو حر واجد الطول ادعى نكاح أمة ، فهذه دعوى فاسدة ، لأن المسلم لا يجوز له أن ينكح مجوسية ، والواجد الطول لا يجوز أن ينكح أمة ، فبطلت دعواه لامتناع مقصودها في حقه ، فلم يكن للحاكم أن يسمعها منه .
وأما الضرب الثاني : فيما عاد فساده إلى الشيء المدعى ، فعلى ثلاثة أضرب :
أحدها : أن يدعي ما لا تقر عليه يد كالخمر ، ولحم الخنزير ، والسباع الضارية ، والحشرات المؤذية ، فدعواه فاسدة ، لوجوب رفع اليد عنها في حقوق المسلمين فلم يكن للحاكم ، أن يسمعها من كافة الناس .
والضرب الثاني : أن يدعي ما تقر عليه اليد ، ولا تصح المعارضة عنه كجلود الميتة ، والسراجين ، والسماد ، والنجس ، والكلاب المعلمة ، تقر عليها اليد للانتفاع بجلود الميتة ، إذا دبغت ، وبالسماد ، والسراجين في الزروع ، والشجر ، والكلاب في الصيد ، والمواشي ، واختلف في اليد عليها إذا كانت الجلود من أموات حيوان ، والسراجين من أرواث بهائمه ، هل تكون يد ملك أو يد انتفاع ؟ على ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها يد انتفاع لا يد ملك لخروجها عن معارضة الأملاك .
والوجه الثاني : أنها يد ملك لأنه أحق بها كسائر الأموال .
[ ص: 297 ] والوجه الثالث : أن ما كان منها ملكا يعتاض عنه ، ويصير في الثاني يعتاض عنه كجلود الميتة كانت اليد عليها يد ملك اعتبارا بالطرفين وما خرج عن أملاك المعاوضة في طرفيه ، كالكلاب ، والأنجاس ، كانت اليد عليها يد انتفاع لا يد ملك فإذا توجهت الدعوى إلى شيء من هذا ، لم يخل من أن يكون باقيا أو تالفا .
فإن كان تالفا كانت الدعوى فيه باطلة ، لأنه لا يستحق بتلفها مثل ، ولا قيمة ، وإن كانت باقية لم يخل أن يدعيها بمعاوضة ، أو غير معاوضة .
فإن ادعاها بمعاوضة أنه ابتاعها ، كانت الدعوى فاسدة ، لأنها لا تملك بالابتياع إلا أن يكون قد دفع ثمنها ، فتكون دعواه متوجهة إلى الثمن إن طلبه ، ويكون ذكر ابتياعها إخبارا عن السبب الموجب لاسترجاع الثمن به ، وإن ادعاها بغير معاوضة فقد تصح دعواها في أحد ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تغصب منه ، فتصح دعوى غصبها .
والثاني : أن يوصي بها ، فتصح دعوى الوصية بها .
والثالث : أن توهب له ، فتصح دعوى هبتها .
فإن أطلق الدعوى ولم يفسرها ، بما تصح به أو تفسد ، فقد اختلف فيما يكون من الحاكم فيها على وجهين :
أحدهما : يستفسر ليعمل على تفسيره في صحتها ، وفسادها ، لأنه مندوب لفصل ما اشتبه .
والوجه الثاني : أن يمسكه متوقفا عنهما ، ولا يستفسره إياها ، ليكون هو المبتدئ بتفسيرها ، لأن استيفاء دعواه حق له ، يقف على خياره .
والضرب الثالث : ما تقر عليه اليد ملكا ، ولا يجوز أن ينتقل من مالك إلى مالك كالوقف وأمهات الأولاد والدعوى فيه على المالك فاسدة ، لا يجوز أن يسمعها الحاكم على مالك لاستحالة انتقاله عن ملكه إلى ملك غيره إلا أن يدعي ابتياعه لاسترجاع الثمن ، فتكون الدعوى متوجهة إلى الثمن ويكون ذكر ابتياعه إخبارا عن السبب .
ويجوز أن يدعي الوقف وأم الولد على غاصبها ، وإن لم يدعيا على مالكهما .
وأما الضرب الثالث : في الأصل وهو ما عاد فساده إلى سبب الدعوى وهو على ضربين : عقد - ومقتضى عقد :
فأما العقد فكالبيع ، إذا ادعى ما ابتاعه وهو على ثلاثة أضرب : صحيح ومتفق على فساده ، ومختلف فيه :
[ ص: 298 ] فإن كان البيع صحيحا ، صحت الدعوى فيه : إذا استوفى شروطها على ما سنذكره .
وإن كان البيع متفقا على فساده كبيع الحمل في البطن ، وبيع الثمرة قبل أن تخلق ، فالدعوى فيه باطلة لا يسمعها إن طلب تسليم المبيع ، ويسمعها إن طلب موجبها من رد الثمن .
وإن كان المبيع مختلفا فيه ، كبيع العين الغائبة ، يسمعها ليحكم فيها بما يؤدي إليه اجتهاده ، من صحة البيع ، وتسليم المبيع ، أو يحكم بفساده ورد الثمن .
وكذلك الحكم في عقود الإجارات ، والمناكح ، والرهون .
وأما نقص العقد فكالشفعة ، وهي على ثلاثة أضرب : مستحقة ، وباطلة ومختلف فيها .
فأما المستحقة : فشفعة الخلطة تصح دعواها بعد استيفاء شروطها وأما الباطلة فالشفعة فيما ينقل من متاع ، أو حيوان فلا يسمع الحاكم ممن منه الدعوى .
فإن جهل المدعي حكمها أخبره بسقوط حقه فيها .
وأما المختلف فيها ، فشفعة الجار ، فإن كان الحاكم ممن يرى وجوبها سمع الدعوى فيها ، وحكم بها لمدعيها ، وإن كان ممن لا يرى وجوبها لم يسمع الدعوى فيها بخلاف البيع المختلف فيه ، لأن في البيع عقدا يفتقر إلى الحاكم بإبطاله ، فلذلك سمع فيه الدعوى ليحكم بإبطاله ورد ما تقابضاه ، وليس هذا في الشفعة ، لأنها مجرد دعوى ، يبطل بردها والإعراض عنها ، فلذلك ما افترقا .