فصل :
وإذا تعين المدعي ، وتحررت الدعوى ، سأل الحاكم المدعى عليه ، عن الدعوى ، ولم يسأل المدعي عن البينة ، لأنه قد يقر المدعى عليه ، فلا يحوج إلى
[ ص: 302 ] البينة ، فإن أقر لزمه إقراره ، وأخذه بموجبه ، وقد فصل الحكم بينهما .
وإن أنكر سأل الحاكم المدعي : ألك بينة ؟ فإن ذكرها أمره بإحضارها ، فإذا أحضرت سمع الحاكم منها وحكم على المدعى عليه ، بها ، وقدمها على يمين المدعى عليه لأمرين :
أحدهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم البينة على اليمين .
والثاني : أن البينة أقوى من اليمين من وجهين :
أحدهما : أن التهمة منتفية عن البينة ، لأنها لا تجر إلى نفسها نفعا ، ولا تدفع ضررا ، والتهمة متوجهة إلى يمين الحالف ، لأنه يدفع بها عن نفسه ضررا ، ويجر بها إلى نفسه نفعا .
والثاني : أن البينة تشهد بتصريح الملك ، وتوجبه ، واليمين تدل عليه ولا توجبه .
وإن
عدم المدعي البينة سأل الحاكم المدعى عليه الحلف ، ولم يقل له احلف ، لأن سؤاله استفهام ، وأمره تلقين ، فإن حلف فصل الحكم بينهما بيمينه ، وسقطت الدعوى فإن نكل عن اليمين لم يجبر عليها ، وترد يمينه على المدعي ، بعد استقرار نكوله ، ولا يقضى عليه بالنكول ، من غير إحلاف المدعي ، وقال
أبو حنيفة : يقضى عليه بالنكول ، من غير إحلاف المدعي ، وقد تقدم الكلام معه ، وإن
امتنع المدعى عليه من اليمين ليقيم البينة بدلا من يمينه نظر في الدعوى .
فإن كانت بدين في الذمة لم تسمع منه البينة لأنه نفى الدين بإنكاره والبينة لا تسمع على النفي وقيل له لا براءة لك من الدعوى إلا بيمينك ، فإن كانت الدعوى بعين في يده ، ففي سماع بينته بدلا من يمينه وجهان :
أحدهما : لا تسمع بينته ، لأنه لا حاجة به إليها ، ويستغنى بيمينه عنها .
والثاني : تسمع بينته عليها وترتفع الدعوى بها ، وتكون بينته أوكد من يمينه ، لأن البينة قد جمعت إثباتا ونفيا ، فصح سماعها منه في الأعيان لما تضمنها من الإثبات ، ولم يسمعها فيما تعلق بالذمة لأنها تتضمن النفي دون الإثبات .
وقال
أبو حنيفة : اليمين مستحقة على المدعى عليه ، فلا تنقل إلى المدعي ، والبينة مستحقة على المدعي ، فلا تنقل إلى المدعى عليه ، فلذلك قضى عليه بنكوله ، ولم تسمع منه البينة ، ولم يختلف عليه المدعي وسيأتي الكلام معه .