فصل : فإذا
توجهت دعوى الكفالة على رجل ، خوصم فيها إلى الحاكم فإن كان يرى إبطال الكفالة بالنفس ، لم تسمع الدعوى فيها ، ولم تجب اليمين في إنكارها ، وإن كان يرى جوازها سمع الدعوى فيها وأوجب اليمين على منكرها ، وقال
أبو حنيفة : لا يمين على منكرها ، وإن صحت ، وبناه على أصله في إسقاط اليمين على المنكر ، في خمسة عشر موضعا يطول شرحها ، وقد مضى الكلام في نظائرها .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو أقام بينة أنه أكراه بيتا من داره شهرا بعشرة ، وأقام المكتري البينة أنه اكترى منه الدار كلها ذلك الشهر بعشرة ، فالشهادة باطلة ويتحالفان ويترادان ، فإن كان سكن فعليه كراء مثلها " .
قال
الماوردي : اعلم أن
اختلاف المتكاريين في عقد الإجارة كاختلاف المتبايعين في عقد البيع ، فيكون اختلافهما تارة في الأجرة كاختلافهما في الثمن ، ويختلفان تارة في قدر المدة ، كاختلافهما في قدر المبيع ، ويختلفان في صفة المكري كاختلافهما في صفة المبيع ، فيحكم بالبينة ، ويتحالفان عند عدمها ، لأن الإجارة صنف من البيوع ، فتساويا في التحالف .
فإذا تقرر هذا فصورة المسألة : أن يختلف المتكاريان فيقول المكري أكريتك بيتا من هذه الدار شهر رمضان بعشرة .
[ ص: 318 ] ويقول المكتري ، بل اكتريت منك جميع هذه الدار شهر رمضان بعشرة ، فإن عدما البينة تحالفا ، وبدأ الحاكم بإحلاف المكري ، كما يبدأ بإحلاف البائع .
فإن حلف أحدهما فنكل الآخر ، قضى للحالف منهما على الناكل .
وإن حلفا معا فقد تساويا ، ولم يترجح أحدهما على الآخر ، فوجب أن يبطل العقد بينهما ، وفيما يبطل به العقد وجهان :
أحدهما : يبطل بنفس التحالف كما يرتفع نكاح المتلاعنين بنفس اللعان ، حتى يحكم الحاكم بإبطاله ، لأن التحالف لتصحيح العقد دون إبطاله ، فوجب أن يبطل بالحكم لأجل التعارض .
فعلى هذا لا يجوز للحاكم أن يحكم بإبطاله إلا بعد أن يعرض على كل واحد منهما إمضاء ما حلف عليه صاحبه .
فيقول للمكتري : قد حلف المكري على ما ادعى ، فتمضيه ؟
فإذا قال : لا . قال للمكري : قد حلف المكتري على ما ادعى فتمضيه ؟
فإذا قال : لا ، حكم بالفسخ بينهما .
ولو تراضيا على ما ادعاه أحدهما أمضاه على ذلك ، وإذا امتنعا من الإمضاء ، وحكم بينهما بالفسخ ففي انفساخ العقد بينهما وجهان :
أحدهما : ينفسخ في الظاهر والباطن كما لو فسخه بتحالفهما .
والوجه الثاني : ينفسخ في الظاهر دون الباطن ، لأن حكم الحاكم لا يحيل الشيء عما هو عليه .
وينظر في التحالف ، فإن كان قبل مضي شيء من المدة استرجع المكتري أجرته ، واسترجع المكري داره ، وإن كان بعد مضي المدة ، أو بعضها لزم المكتري أجرة مثل سكناه ، لاستهلاكه لمنفعتها عن عقد قد حكم بفساده .