مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ثم لا يزال يكبر خلف كل صلاة فريضة من الظهر من النحر إلى أن يصلي الصبح من آخر أيام التشريق ، فيكبر بعد الصبح ثم يقطع وبلغنا نحو ذلك عن
ابن عباس قال : والصبح آخر صلاة
بمنى والناس لهم تبع " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا أن
تكبير العيدين على ضربين مطلق ومقيد ، فالمطلق ما تعلق بالزمان وتشريفه وعظيم حرمته ، وهذا يشترك فيه الأضحى والفطر ، ولا يختص به صلاة من غيرها ، وقد مضى تفصيله ، وأن أول زمانه من غروب الشمس ، وآخره إلى عند ظهور الإمام ، فأما المقيد فهو ما تعلق بالصلوات وأتى به في أعقابها ، فهذا يختص به الأضحى دون الفطر ، لما يتعلق به من حرمة الحج ، ويتصل به من أحكام النحر ، فإذا تقرر أنه مختص بالأضحى ، فقد نص
الشافعي في القديم والجديد أنه يبتدئ بالتكبير من بعد صلاة الظهر من يوم النحر ، يقطعه بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، فيكبر عقيب خمس عشر صلاة وبه قال من الصحابة
ابن عمر ،
وابن عباس ، ومن التابعين
عمر بن عبد العزيز والزهري ، ومن الفقهاء
مالك وعليه العمل
بمكة والمدينة .
وقال
الشافعي في موضع آخر إنه يبتدئ بالتكبير من بعد المغرب من يوم
عرفة إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، فتكون ثماني عشرة صلاة ، وقال في موضع آخر حكاه عن بعض السلف أنه كان يبتدئ بالتكبير من بعد الصبح يوم عرفة إلى بعد العصر من آخر أيام التشريق ، فتكون ثلاثا وعشرين صلاة ثم قال : وأستخير الله سبحانه في ذلك .
واختلف أصحابنا في ذلك فكان بعضهم يخرج ذلك على ثلاثة أقاويل :
أحدها : أنه يكبر من بعد صلاة الظهر من يوم النحر إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق ، ووجهه أن الناس في التكبير تبع للحاج لقوله تعالى :
ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام [ الحج : 28 ] فخاطب الحاج بذلك ، وقيل أراد بالمنافع شهود
عرفة ، وقيل أراد به النحر ، والحاج يبتدئون بالتكبير عند قطع التلبية ، وذلك في يوم النحر .
[ ص: 499 ] والقول الثاني : يبتدئون بالتكبير من بعد المغرب من ليلة النحر إلى بعد الصبح من آخر أيام التشريق ، ووجهه أن يقال : لأنها ليلة عيد فوجب أن يكون التكبير فيها مسنونا كالتكبير المطلق .
والقول الثالث : إنه يبتدئ بالتكبير من بعد صلاة الصبح من يوم
عرفة إلى بعد صلاة العصر من آخر التشريق ، ووجهه أن يقال : لأن يوم
عرفة يختص بركن من أركان الحج فوجب أن يكون التكبير فيه مسنونا كيوم النحر .
وقال
أبو إسحاق المروزي ،
وأبو علي بن أبي هريرة : ليست المسألة على أقاويل ، وإنما هو مذهبه أنه يبتدئ بالتكبير من بعد الظهر من يوم النحر إلى بعد صلاة الصبح من آخر أيام التشريق قولا واحدا ، وقوله في موضع آخر إنه يبتدئ من بعد المغرب من ليلة النحر ، فإنما أراد التكبير المطلق ، وقوله في موضع آخر من بعد صلاة الصبح من يوم
عرفة ، فإنما قاله حكاية عن مذهب غيره ، والله تعالى أعلم .