فصل : وإن كان صاحب اليد قد أقر بها في الابتداء لغائب ، لم يخل حال المدعي من أن تكون له بينة أو لا بينة له ، فإن لم تكن له بينة كان الحكم موقوفا على قدوم الغائب ، والدار مقرة في يد صاحب اليد ، فإن طلب المدعي إحلاف صاحب اليد ، ففي إجابته إلى إحلافه ما قدمناه من القولين .
فإن قيل : لا يمين عليه ، انقطعت الخصومة بينهما ، وكانت موقوفة على قدوم الغائب .
وإن قيل : بوجوب اليمين عليه ، ففي كيفية يمينه وجهان :
أحدهما : يحلف أن الدار للغائب فلان ، لتكون يمينه موافقة لإقراره .
والوجه الثاني : يحلف أنه لا حق لهذا المدعي فيها لتكون يمينه معارضة للدعوى .
[ ص: 324 ] فإن حلف برئ من مطالبة الداعي ، وإن نكل أحلف المدعي ، وحكم له بقيمة الدار .
فإن قدم الغائب المقر له ، كان له منازعته في الدار ، وإن صار إلى قيمتها ، فإن أفضى النزاع إلى الحكم بالدار للغائب ، استقر ملك المدعي على القيمة وإن أفضى إلى الحكم بالدار للمدعي أخذ برد القيمة على صاحب اليد ، لئلا يجمع بين ملك الدار وقيمتها .
وإن كان لمدعي الدار بينة ، عند الإقرار بها للغائب سمعت بينته ، وقضي له بالدار .
واختلف أصحابنا هل يكون ذلك قضاء على الغائب المقر له ، أو قضاء على صاحب اليد له ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه قضاء على الغائب المقر له ، فعلى هذا لا يحكم للمدعي بالبينة ، حتى يحلف معها لأن القضاء على الغائب يوجب إحلاف المدعي مع بينته ، لجواز أن يدعي الغائب انتقالها إليه ببيع أو هبة ، فيحلف بالله أن ما شهدت به شهود الحق وأنها لباقية على ملكه ، ويكون حلفه لصدق شهوده تبعا لحلفه ببقائها على ملكه ، ولولا ذاك لما حلف بصدق الشهود ، لأنه لا يلزمه إحلافه على صدقهم ولم يختلف قول
الشافعي في جواز
القضاء على الغائب ، وإن وهم
المزني في كلامه أن قوله قد اختلف فيه ، وهو وهم منه .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي إسحاق المروزي أنه قضاء على صاحب اليد الحاضر ، دون الغائب ، وهو الظاهر من كلام
الشافعي ، لأنه قال : قضى له على الذي هي في يديه ، وإنما كان قضاء على الحاضر ، لأن الدعوى توجهت إليه ، فتوجه القضاء عليه .
فعلى هذا يحكم بالدار للمدعي ببينته دون يمينه ، ونسب
المروزي المزني إلى الغلط في هذا الموضع من وجهين :
أحدهما : أنه جعل ذلك قضاء على الغائب ، وهو قضاء على الحاضر .
والثاني : أنه وهم في تخريج القضاء على الغائب على قولين ، ولعمري أنه وهم فيما أوهم من القولين ، وهو فيما رآه من القضاء على الغائب محتمل ، فإذا قدم الغائب ، بعد الحكم بالدار للمدعي واعترف بها ونازع فيها وجرى عليه حكم منازع ذي يد ، لأنها انتزعت من يد منسوبة إليه ، واختار
الشافعي للحاكم ، إذا حكم بالدار
[ ص: 325 ] للمدعي ببينته أن يكتب في قضائه للمدعي صفة الحال ، وأنه حكم ببينته ، وأنه جعل الغائب فيها على حجته .