فصل : وإذا
كانت الدار في يدي رجل ، فتداعاها رجلان قال أحدهما : هذه الدار لي أودعتك إياها ، وأقام على ذلك بينة .
وقال الآخر : هذه الدار لي ، أجرتك إياها وأقام على ذلك بينة .
فصارا متداعيين لملكها ، وإن اختلفا في حكم يد صاحب اليد ، فتعارضت البينتان بالملك لتنافي شهادتهما فخرج في تعارضهما ثلاثة أقاويل :
أحدها : إسقاط البينتين ، والرجوع إلى قول صاحب اليد .
والقول الثاني : الإقراع بين البينتين ، والحكم بمن قرع منهما فإن قرعت بينة مدعي الوديعة ، انتزعت من صاحب اليد ولا شيء عليه .
وإن قرعت بينة مدعي الإجارة ، فإن كانت المدة باقية ، أقرت في يد صاحب اليد إلى انقضاء مدتها ، وأخذ بأجرتها ، فإن انقضت مدتها انتزعت من يده ، وأخذ بالأجرة .
والقول الثالث : استعمال البينتين ، وجعل الدار بين المتنازعين نصفين ، نصفها لمدعي الوديعة ، ينتزعه من صاحب اليد ونصفها لمدعي الإجارة يقره على صاحب اليد ، إلى انقضاء المدة ويرجع عليه بنصف الأجرة .
مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإذا
ادعى عليه شيئا كان في يدي الميت ، حلف على علمه ، وقال في كتاب
ابن أبي ليلى : وإذا اشتراه حلف على البت " .
قال
الماوردي : قد مضت هذه المسألة في مواضع ، وذكرنا أن اليمين إذا توجهت
[ ص: 328 ] على الإنسان في فعل نفسه ، كانت على القطع والبت ، سواء كانت على إثبات أو نفي .
والإثبات أن يحلف والله إن هذا العبد لي إما بالشاهد واليمين ، وإما بالرد بعد النكول .
وأما النفي ، فإن حلف والله إنه لا حق لك في هذا العبد فإن أحلفه الحاكم ، على العلم في الإثبات ، فقال : والله إني أعلم أن هذا العبد لي وأعلم أن هذا العبد ليس هو بملك لك .
فقد أكدها ، لأن إثبات العلم زيادة تأكيد ، وإن أحلفه على العلم في النفي فقال : والله لا أعلم أن لك علي شيئا ولا أعلم أن هذا العبد لك ، لم تصح اليمين ، لأنه على يقين وإحاطة فيما اختص بنفسه من إثبات ، ونفي ، فلم تصح يمينه في النفي ، إلا بالقطع والبت ، كما لا تصح يمينه في الإثبات ، إلا بالقطع .
فأما إذا
حلف في توجه الدعوى على غيره ، كالوارث إذا ادعى على ميته دعوى ، فأنكرها ، فيمينه يمين نفي على فعل الغير ، فيحلف على العلم دون القطع ، لأنه لا طريق له إلى اليقين والإحاطة فيقول : والله لا أعلم أن لك علي شيئا مما ادعيته ، فإن أحلفه الحاكم على القطع والبت ، فقال : والله ما لك علي شيء مما ادعيته ، كان تجاوزا من الحاكم ، وقد وقعت اليمين موقعها ، لأنها أغلظ من اليمين المستحقة عليه ، وهي تؤول به إلى العلم .
ولو ادعى شيئا لميته ، وتوجهت اليمين عليه ، حلف على القطع والبت ، كما لو ادعاها في حق نفسه ، لأنه لا يصح أن يدعيه إلا بعد إحاطة علمه به ، فاستوى يمين الإثبات في فعله ، وفعل غيره ، واختلفت يمين النفي في فعله ، وفعل غيره . وبالله التوفيق .