فصل : وأما الحالة الرابعة : وهو
أن تكون الدار في يد أجنبي ، فلا تخلو يده من
أربعة أحوال :
إحداها : أن يكون نيابة عن البائع ، فيكون على ما قدمناه في يد البائع .
والثاني : أن يكون نيابة عن أحد المشتريين ، فيكون على ما قدمناه في يد أحدهما .
والثالث : أن يكون نيابة عنهما ، فيكون على ما قدمناه في أيديهما .
والحالة الرابعة : أن يكون لنفسه غير ثابت فيها عن غيره فلا تتوجه الدعوى عليه في البيع ، لأنه منسوب إلى غيره ، ولا توجب بينة واحد منهما انتزاع الدار من يده ، لأن بيع غيره للدار لا يجعله مالكا لها وصاحب اليد أحق بالدار من بائعها ، ولا تتوجه عليه مطالبة البائع بها ، لأن قيام البينة عليه بالبيع يمنع من أن يكون له فيها حق ، وسقط أن يكون للبائع عليه يمين ولا تتوجه إليه مطالبة واحد من المشتريين بها ، لأنه يدعي ملكها ، عن البائع ، وليس للبائع المطالبة بها ، فكان أولى أن لا يطالب بها النائب عنه ، فتسقط المطالبة عن صاحب اليد ، لأجل البينة ، ولا يمين عليه لواحد منهم ، ويرجع كل واحد من المشتريين على البائع بالثمن الذي شهدت به بينته ، فإذا حكم بإبطال
[ ص: 355 ] البيعين ، وأخذ البائع برد الثمنين جاز له أن يستأنف الدعوى ، وهذا كله إذا لم يكن في البينة الشاهدة بالبيع شهادة للبائع ، بملك المبيع ، فأما إذا
شهدت له بملك ما باع ، فإن عارضهما صاحب اليد ببينته ، كانت بينة صاحب اليد أولى ، لأنها بينة داخل قد تلتها بينة خارج ، وإن لم تكن لصاحب اليد بينة رفعت يده ، وثبت أن البائع باع ملكه ، وإن
كانت الشهادة بملكه في إحدى البينتين حكم بالبيع ، دون الملك ورجع بالثمن وبطل حكم التعارض فيهما .
وإن شهدت بينة كل واحد منهما بالملك والبيع ، ثبت حكم التعارض فيهما ، وكان على الأقاويل الثلاثة ، وقد أطلنا هذه المسألة باستيفائها ، لأنها من الأصول في الدعاوى .
مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " ولو
أقام بينة أنه اشترى هذا الثوب من فلان وهو ملكه بثمن مسمى ونقده ، وأقام الآخر البينة أنه اشتراه من فلان وهو يملكه بثمن مسمى ونقده ، فإنه يحكم به للذي هو في يديه لفضل كينونته ( قال
المزني : ) وهذا يدل على ما قلت من قوله " .
قال
الماوردي : وهذه المسألة الثانية التي يجتمع فيها بائعان ، ومشتريان وصورتها أن يتنازع رجلان في ثوب ، يدعي أحدهما أنه اشتراه من زيد ، وهو مالكه بثمن سماه ونقده إياه ، ويقيم على ذلك بينة بالملك والبيع ، ويدعي الآخر أنه اشتراه من عمرو ، وهو مالكه بثمن سماه ونقده إياه ، ويقيم على ذلك بينة بالملك والبيع ، فلا يخلو الثوب من خمسة أحوال :
أحدها : أن يكون في يد أحد المتبايعين .
والثاني : أن يكون في أيديهما .
والثالث : أن يكون في يد أحد المشتريين .
والرابع : أن يكون في أيديهما .
والخامس : أن يكون في يد أجنبي .
فأما الحالة الأولى : وهو
أن يكون الثوب في يد أحد المتبايعين فبينته أرجح وجها واحدا ، لأنها بينة داخل تندفع بها بينة خارج فيصح بيعه ، ويؤخذ بتسليم الثوب إلى مشتريه منه ، ويبطل بيع الآخر ، ويؤخذ برد الثمن على مشتريه منه ، ولا يمين للبائع الآخر ، ولا للمشتري على من ترجحت بينته من البائع والمشتري ، لأن الحكم ثبت لهما بالبينة ، ترجيحا باليد ولا يمين مع البينة .
[ ص: 356 ]