فصل : وأما الفصل الثاني في
صفة القيافة ، فالمعتبر فيها التشابه من أربعة أوجه :
أحدها : تخطيط الأعضاء وأشكال الصورة .
والثاني : في الألوان والشعور .
والثالث : في الحركات والأفعال .
والرابع : في الكلام ، والصوت ، والحدة ، والأناة ، ولئن جاز أن تختلف هذه الأربعة في الآباء والأبناء في الظاهر الجلي ، فلا بد أن يكون بينهما ، في الباطن تشابه خفي ، ولئن لم يكن في جميعها لغلبة التشابه بالأمهات ، فلا بد أن يكون في بعضها لأن المولود من أبيض ، وأسود ، لا يكون أبيض محضا ، ولا أسود محضا ، فيكون فيه من البياض ، ما يقارب الأبيض ، ومن السواد ما يقارب بالسواد .
وإذا كان كذلك لم يخل
حال الولد مع المتنازعين فيه من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون فيه شبه من أحدهما ، وليس فيه شبه من الآخر ، فيلحق بمن فيه شبهه ، وينفى عمن ليس فيه شبهه ، وسواء كان الشبه بينهما من جميع الوجوه ، أو من بعضهما ظاهرا كان أو خفيا .
[ ص: 388 ] والقسم الثاني : أن لا يكون فيه شبه من كل واحد ، منهما ، فلا يكون في القيافة بيان ، ولا يجوز أن ينفى عنها ، لأن نسبه موقوف عليهما ، فيعدل إلى الوقف على الانتساب ، على ما سنذكره .
القسم الثالث : أن يكون فيه شبه من كل واحد منهما فهذا على خمسة أضرب :
أحدها : أن
يتماثل الشبهان ، ولا يترجح أحدهما على الآخر بشيء ، فلا يكون في القيافة بيان ، ويعدل إلى غيرها .
والضرب الثاني : أن
يتماثل الشبه بينهما في العدد ، ويختلفا في الظهور والخفاء ، يكون فيه من كل واحد منهما شبهان ، وهو في أحدهما ظاهر ، وفي الآخر خفي ، فيلحق بمن ظهر منه الشبه دون من خفي فيه .
والضرب الثالث : أن
يتماثلا في الظهور والخفاء ، ويختلفان في العدد ، فيكون الشبه في أحدهما من ثلاثة أوجه ، وفي الآخر من وجهين ، فيلحق بمن زاد عدد الشبه فيه دون من قل .
والضرب الرابع : أن
يكون الشبه في أحدهما أكثر عددا ، وأظهر شبها ، وهو في الآخر أقل وأخفى ، فيلحق بمن كثر فيه عدد الشبه ، وظهر دون من قل فيه وخفي ، وهو أقوى من الضربين المتقدمين .
والضرب الخامس : أن
يكون أحدهما في الشبه أكثر عددا ، وأخفى شبها ، والآخر أقل عددا ، وأظهر شبها ، فيكون الشبه في أحدهما من ثلاثة أوجه خفية ، وفي الآخر من وجهين ظاهرين ، ففيه وجهان :
أحدهما : يرجح كثرة العدد على ظهور الشبه ، فيلحق بمن فيه الشبه من ثلاثة أوجه خفية ، تغليبا لزيادة التشابه .
والوجه الثاني : يرجح ظهور الشبه على كثرة العدد ، فيلحق بمن فيه الشبه من وجهين ظاهرين ، تغليبا لقوة التشابه ، فهذا أصل في اعتبار التشابه في القيافة ، وقد تختلف فطن القافة ، فمنهم من تكون فطنته من أعداد التشابه أقوى ، ومنهم من تكون فطنته في قوة التشابه أقوى ، فيعتمد كل واحد منهما على ما في قوة فطنته ، تغليبا لقوة حسه ، فإن كان القائف عارفا بأحكام هذه الأقسام ، جاز أن يكون فيها مخبرا ، وحاكما وإن لم يكن عارفا بأحكامها كان فيها مخبرا ، ولم يكن فيها حاكما ، ليحكم بها من الحكام من يعلمها ، ويجتهد رأيه فيها .
[ ص: 389 ]