فصل : فإذا تقررت هذه الجملة فمسألة الكتاب مقصورة على
الأنساب التي يجب [ ص: 403 ] حفظها ، وتعيينها لاستحقاق التوارث ، فإذا كانوا أحرارا لا ولاء عليهم ، انقسموا ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكونوا مسلمين من ولادة الإسلام .
والثاني : أن يكونوا مسلمين من ولادة الشرك .
والثالث : أن يكونوا مشركين .
فإن كانوا مسلمين من ولادة الإسلام ، وهو القسم الأول ، فعلينا في أنسابهم حقان :
أحدهما : حفظ أنسابهم .
والثاني : أن تعرف فرش ولادتهم : لوجوب حرمتهم نطفا ، ومولودين ، فإن ادعوا اتصال قواعد أنسابهم ، ولم يختلفوا فيها ، لزم اعتبارها بفرش ولادتهم ، فإن خالفت ما تعارفوا عليه حملوا في أنسابهم على ما أوجبه على فرش ولادتهم ، وأبطل تصادقهم على ما خالفها ، وإن لم يوجد في فرش ولادتهم ما خالفها ، حملوا فيها على تصادقهم ، وحفظت عليهم الأنساب التي تصادقوا عليها ، ويستوي فيها المتلاصقة كالأباء مع الأبناء ، والأنساب المنفصلة ، كالأخوة ، والأعمام ، إذا لم يكن بينهم من الفرش ما يخالفهم ، فإن رجعوا بعد التصادق فتكاذبوا ، كان التكاذب مردودا بالتصادق ، لأن الإنكار يعلو الإقرار مردود ، إلا أن يقدم بينة بخلاف ما تصادقوا عليه ، فيحكم بها .
وأما القسم الثاني : وهم المسلمون من ولادة الشرك ، فعلينا حفظ أنسابهم ، بعد الولادة لحرمتهم بالإسلام ، وليس علينا أن نعتبرها بفرش ولادتهم ، بسقوط حرمة نطفهم بالشرك ، فحملوا في الأنساب على تصادقهم ، وتحفظ عليهم بعد التصادق بوجوب حرمتهم موجودين وسقوطها نطفا .
وأما القسم الثالث : وهم المشركون ، فلا يلزمنا حفظ أنسابهم نطفا ، ولا مولودين لسقوط حرمتهم في الحالين ، فإذا تصادقوا في أنسابهم لم يعترض فيها عليهم ، وكانوا فيها محمولين على تصادقهم وإن تكاذبوا فيها ، بطل ما تقدم من تصادقهم ، ولم يكن أحد الأمرين فيهم ألزم من الآخر ، فإن تحاكموا فيها إلينا ، حكمنا بينهم بما يكونون عليه بعد التحاكم من التصادق ، أو التكاذب .