فصل : فأما
المزني ، فإنه اختار أشهر هذه الأقاويل وهو الأول أن
حصة الشريك تعتق بلفظ المعتق ، وتكون القيمة في ذمته حتى يؤديها ، وتكلم على قيمته فصولا بعضها تحقيق لمذهبه وبعضها نصرة لصحته .
فالفصل الأول : قال
المزني بالقول الأول في كتاب الوصايا في العتق وقال في كتاب اختلاف الأحاديث : يعتق يوم تكلم بالعتق وهكذا قال في كتاب اختلاف
أبي حنيفة وابن أبي ليلى فجعل
المزني تكرار هذا القول في هذه المواضع التي لم يذكر غيره فيها إثباتا له ونفيا لغيره ، وليس الأمر على ما توهم لأن أقاويله إذا فرقت لم يحتج إلى تكرارها
[ ص: 10 ] في كل موضع ولو كان ما توهم صحيحا لاقتضى إذا كرر أحدهما في مواضع وكرر الأخرى في مواضع أن يكون نافيا لهما والذي يقتضي تحقيق مذهبه في أحد القولين أن يقول وبهذا أقول وهو أولى أن يحتج له .
فأما تكراره والتفريع عليه فقال بعضهم : لا تأثير لهما كما لا تأثير لزيادة الشهود في تعارض البينتين .
وقال آخرون : لها تأثير في أن غيرها لا يترجح عليه .
واختلفوا هل يصير بها أرجح من غيره فرجح بها بعضهم ولم يرجح بها آخرون .
والفصل الثاني قال
المزني : فقال - يعني
الشافعي -
فإن مات المعتق أخذ ما لزمه من رأس المال لا يمنع الموت حقا لزمه ، كما لو جنى جناية ، وهذا ذكره
المزني احتجاجا أن أخذ قيمة الحصة من شريكه بعد موته دليل على نفوذ العتق في حياته ولا حجة في هذا ؛ لأن القيمة مأخوذة من شريكه على الأقاويل كلها ؛ لأنه وإن لم يعتق عليه في أحدها ، فقد كان منه السبب الموجب لعتقه ، فكان مأخوذا بعتقه في تركته كما لو جرح عبدا فسرى الجرح إلى نفسه بعد موته أخذت قيمة العبد من تركته ، وإن وجبت بعد موته ، وكذلك إن حفر بئرا في غير ملكه ، ومات ، كان غرم ما تلف فيها بعد موته من تركته ، وإن وجبت بعد موته ، لتقدم السبب في حياته ، فلم يكن لما ذكره
المزني من أخذ القيمة من تركته دليل على نفوذ العتق في حياته ؛ لأننا إن قلنا بالأول أنه يعتق عليه بلفظه ، كان المأخوذ من تركته ، ما وجب عليه غرمه في حياته .
وإن قلنا بالثاني : أنه يعتق بأداء القيمة ، فقد وجد منه السبب الموجب لعتقه ، فوجب أن يكون غرم القيمة في تركته ، لتقدم السبب الموجب لعتقه ، كحفر البئر
والفصل الثالث : قال
المزني : قال
الشافعي : إن العبد حر في شهادته ، وحدوده ، وميراثه ، وجناياته ، قبل القيمة وبعدها ، وهذا الذي حكاه
المزني مبني على الأقاويل الثلاثة ، فإن قيل بنفوذ عتقه باللفظ ، جرت عليه أحكام الأحرار في شهاداته ، وواجباته ، وجناياته ، وحدوده ، وميراثه .
وإن قيل أنه لا يعتق ، إلا بأداء القيمة ، جرت عليه أحكام العبيد في هذا كله .
وإن قيل : إن عتقه موقوف على أداء القيمة ، كانت أحكامه في هذا كله ، موقوفة ، فإن عتق بأداء القيمة ، جرت عليه أحكام الأحرار في جميعها ، وإن لم يعتق بها ، جرت عليه أحكام العبيد في جميعها ، فكان ما ذكره
الشافعي - رحمه الله - على أحد أقاويله ، فلم يكن فيه دليل .
والفصل الرابع : قال
المزني : فقد قطع بأن هذا المعنى أصح قال
المزني : وما
[ ص: 11 ] قطع به في أربعة مواضع ، أولى من أحد قولين لم يقطع به ، وهذا الذي حكاه عن
الشافعي وقطع به في أربعة مواضع ، إن كان منه قطعا بصحته كان تحقيقا لمذهبه وعدولا عن غيره ، وإن كان قطع به ؛ لأنه ذكره فيها ، ولم يذكر غيره ، فقد تقدم الجواب عنه ،
والمزني عدل فيما رواه
معمول بما حكاه ، والظاهر من روايته القطع بصحته ، فلا امتناع من تصحيحه على مذهبه .
والفصل الخامس : قال
المزني : وهو القياس على أصله في القديم ، أن العتق يوم تكلم بالعتق ، حتى أقرع بين الأحياء ، والأموات ، فهذا بقوله أولى . فيقال له .
أما القرعة بين من أعتقهم في مرضه إذا عجز الثلث عن قيمتهم بعد موته ، واجبة ، وخروجها لأحدهم ، موجب لتقدم عتقه في حياته ، ولو مات أحدهم ، وخرجت عليه القرعة بعد موته ، بان أنه كان حرا قبل موته ، وهذا مما لا يختلف فيه مذهبه ، وليس فيه دليل على عتق حصة الشريك قبل أخذ قيمته ، لوقوع الفرق بينهما ، فإن عتقه في المرض صادف ملكه ، فوقع وإنما دخلت القرعة لاسترقاق ما عجز عنه الثلث ، فصار العتق متقدما ، واستدراكه بالعجز متأخرا ، وليس كذلك عتقه في حصة الشريك ؛ لأنه عتق سرى إلى غير ملكه ، فلم تستقر السراية إلا بدفع بدله ، لئلا يزال ملكه المستقر بغير بدل مستقر ، ثم يستخرج من معنى العتق في المرض دليل عليه أن العتق في حصة الشريك لا يقع إلا بدفع القيمة بأن العتق في المرض لما لم يتحرر إلا بأن يجعل للورثة مثلا قيمته وجب ألا تعتق حصة الشريك ، إلا بأن يصل إلى قيمته فيصير ما ذكره دليلا عليه .
الفصل السادس : قال
المزني : وقد قال
الشافعي : فإن أعتق الثاني ، كان عتقه باطلا ، وفي ذلك دليل على أنه لو كان ملكه بحالة العتق ، بإعتاقه إياه ، قيل : قد ذهب
أبو علي بن أبي هريرة إلى أن عتق الشريك لا يقع إذا قيل إن حصته قد عتقت على المعتق بلفظه ، ويعتق على الشريك إذا قيل إن حصته لا تعتق إلا بدفع القيمة ، فخلص من هذا الاعتراض ، والذي عليه جمهور أصحابنا ، وهو الظاهر من منصوص
الشافعي ، أن عتق الشريك لا يقع على الأقاويل كلها ؛ لأنه إن قيل أن العتق قد سرى إلى حصته ، فقد أعتق بعد زوال ملكه .
وإن قيل : إن العتق لا يسري إليها إلا بعد دفع القيمة ، فقد تعلق بها للمعتق حق السراية ، واستحقاق الولاء ، فأوقع على الشريك في ملكه حجرا منع من التصرف فيه بعتق وغيره ، والحجر يمنع من وقوع العتق مع ثبوت الملك ، كالأمة إذا أعتقت تحت عبد فطلقها قبل الفسخ ، لم يقع طلاقه في الحال ، وإن كان مالكا للبضع لما في وقوع طلاقه من إبطال حق الزوجة من الفسخ ، وصار حقها فيه موقعا للحجر عليه في طلاقه ،
[ ص: 12 ] فإن فسخت لم يقع طلاقه ، وإن أقامت وقع الطلاق لرفع الحجر بالإقامة .
والفصل السابع : قال
المزني : وقوله
في الأمة بينهما أنه إن أحبلها أحدهما صارت أم ولد له إن كان موسرا ، كالعتق وإن شريكه إن وطئها قبل أخذ القيمة كان مهرها عليه تاما .
وفي ذلك قضاء لما قبل ؛ لأن إحبال أحد الشريكين لها جار مجرى عتقه ، له على الأقاويل الثلاثة :
أحدها : أنها قد صارت كلها أم ولد له بالإحبال ، فإذا وطئها الشريك الآخر ، كان عليه جميع مهرها .
والقول الثاني : أن حصة الشريك ، لا تصير للمحبل أم ولد ، إلا بدفع القيمة ، وإن وطئها الشريك ، كان عليه نصف مهرها .
والقول الثالث : أنه موقوف ، فإن دفع المحبل القيمة بان أنها أم ولده بالإحبال ، وكان على الشريك إذا وطئ جميع المهر وإن لم يدفع القيمة بان أن حصة الشريك باقية على ملكه ، فلم يجب عليه بوطئها إلا نصف المهر فلم يكن بين الإحبال والعتق فرق ، ولم يكن في استشهاده به دليل .
والفصل الثامن : قال
المزني : ودليل آخر لما كان الثمن في إجماعهم بتمييز أحدهما بيعا عن تراض ، يجوز فيه التغابن والآخر فيه تلف لا يجوز فيه التغابن وإنما هي على التعديل والتقسيط ، فلما حكم النبي صلى الله عليه وسلم على الموسر المعتق بالقيمة ، دل على أنها قيمة متلف على شريكه ، يوم أتلفه . فهذا كله قضاء لأحد قوليه على الآخر وبالله التوفيق .
فيقال
للمزني : جعلت الأثمان ضربين : ( الأول ) ضرب لأعيان ثابتة بعقد عن تراض يجوز فيه التغابن كالبيع .
( الثاني ) وضرب يكون فيه متلفا ولا يجوز فيه التغابن كالشريك فجعلت هذا دليلا على أن حصة الشريك لما استحق فيها مقدارا ، لا يجوز فيه التغابن ، أنه قيمة متلف بالعتق .
وهاهنا ضرب ثالث ، يستحق فيه مقدر لا يجوز فيه التغابن وليس بمتلف ، ولا مستهلك وهو الشفيع ينتزع الشقص من المشتري بالثمن المقدر الذي لا يستحدث فيه التغابن ، وليس بتالف ، وإذا أوصى الرجل ببيع عبده ، على زيد استحق بيعه عليه بقيمته المقدرة ، وليس بتالف فلما كان هذا ضربا ثالثا تقدر فيه الثمن وزال عنه التغابن ، وهذا باق غير تالف دخلت فيه حصة الشريك المقدرة عن غير متلف .
[ ص: 13 ] وهذا من الضرب الثالث وإن خرج عن الضربين الأولين .