مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ثم يكبر ويقرأ في القيام الأول بعد أم القرآن بسورة البقرة إن كان يحفظها أو قدرها من القرآن إن كان لا يحفظها ، ثم يركع فيطيل ويجعل ركوعه قدر قراءة مائة آية من سورة البقرة ، ثم يرفع فيقول : سمع الله لمن حمده ربنا لك الحمد ، ثم يقرأ بأم القرآن وقدر مائتي آية من البقرة ، ثم يركع بقدر ما يلي ركوعه الأول ثم يرفع فيسجد
[ ص: 505 ] سجدتين ثم يقوم في الركعة الثانية فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة وخمسين آية من البقرة ثم يركع بقدر سبعين آية من البقرة ثم يرفع فيقرأ بأم القرآن وقدر مائة آية من البقرة ثم يركع بقدر خمسين آية من البقرة ثم يرفع ثم يسجد ، وإن جاوز هذا أو قصر عنه فإذ قرأ بأم القرآن أجزأة " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال
صلاة الخسوف ركعتان ، في كل ركعة منهما ركوعان ، وبه قال
مالك وإسحاق .
وقال
أبو حنيفة : ركعتان كسائر الصلوات من غير ركوع زائد استدلالا برواية
الحسن عن
أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخسوف ركعتين كصلاتكم هذه . وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى هذه الصلاة كأحد صلاة صليتموها . قال : ولأن هذه الصلاة إما أن تكون فرضا أو نفلا ، وعلى كلا الحالين ليس لها نظير فيهما بركوع زائد . قال : ولأن الصلوات تختلف في أعداد ركعاتها ولا تختلف في زيادة أركانها ، فكان مذهبكم مخالفا للأصول المقررة فيها .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه رواية
عطاء بن يسار عن
عبد الله بن عباس nindex.php?page=hadith&LINKID=921867أن الشمس خسفت ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه فقام قياما طويلا قدر سورة البقرة ، ثم ركع ركوعا طويلا ، ثم رفع وقام قياما طويلا وهو دون الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الركوع الأول ، ثم سجد ثم قام قياما طويلا وهو دون القيام الأول ، ثم ركع ركوعا طويلا وهو دون الأول ، ثم رفع ثم سجد ثم قام إلى الثانية ، فقام قياما طويلا دون قيامه الأول ثم ساق الخبر إلى آخره وروت
عمرة عن
عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الخسوف ركعتين في كل ركعة ركوعين وروي مثل ذلك عن
جابر بن عبد الله ،
وعلي بن أبي طالب وأبي موسى الأشعري ، رضي الله عنهم ،
وسمرة بن جندب ، ولأنها صلاة نفل يسن فيها اجتماع الكافة فوجب أن تختص بمعنى تباين به غيرها من النوافل كالعيد والاستسقاء المختص بزيادة التكبيرات .
[ ص: 506 ] فأما الجواب عن روايتهم فمن وجهين :
أحدهما : ترجيح .
والثاني : استعمال فأما الترجيح فمن ثلاثة أوجه .
أحدهما : أن أخبارنا أكثر رواة وأصح إسنادا .
والثاني : أنها أزيد وأكثر عملا .
والثالث : أنه عمل الأئمة وفعل أهل الأمصار ، قد عمل به
عمر وعلي ، رضي الله عنهما
بالمدينة ،
وعبد الله بن عباس بالبصرة ،
وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب بالمدينة ، فكان العمل بأخبارنا أولى لما تضمنها من الترجيح ، وأما الاستعمال فمن ثلاثة أوجه :
أحدهما : استعمال لفظ الراوي ، وقوله كصلاتكم هذه أي : يتضمنها ركوع وسجود بخلاف الجنازة ، وقوله في الخبر الآخر : " كأحد صلاة صليتموها " . يعني : من صلاة الخسوف .
والثاني : تسليم الرواية على ظاهرها وحملها على الجواز ، وحمل ما رويناه على الأفضل والمسنون ، كما توضأ مرة ليدل على الجواز ، وثلاثا ليدل على الأفضل .
والثالث : حمل روايتهم على أن الخسوف تجلى سريعا ولم يطل ، فركع ركوعا واحدا ، وحمل روايتنا على أنه أطال فركع ركوعين ، قال
أبو إسحاق المروزي : فإن قيل إنه ركع ركوعا واحدا ليدل على الجواز ، والسنة ، فالأولى أن يركع ركوعين في تطويل الخسوف وتجليه فالسنة في طويل الخسوف ركوعان وفي قصيره ركوع واحد ، وقال
أبو العباس بن سريج : كل ذلك من الاختلاف المباح ، ليس بعضه بأولى من بعض .
وأما الجواب عن قولهم : إن الخسوف إما أن تكون فرضا أو نفلا ، وليس في أحدهما ركوع زائد ، فيقال : الصلوات قد تختلف في هيئاتها وأركانها ، ولكل صلاة هيئة تختص بها ، فلصلاة العيد هيئة ، ولصلاة الخسوف هيئة ، ولو جاز أن يكون هذا مبطلا لما ذهبنا إليه في صلاة الخسوف تغيير هيئاتها ، لوجب أن يكون مبطلا لصلاة الجنازة لتغيير هيئاتها واختلاف أوصافها .
وأما الجواب عن قولهم : إن الصلاة تختلف في أعداد ركعاتها ، إلا في زيادة أركانها فواضح الفساد : لأن زيادة أعدادها توجب زيادة أركانها ، وليس في ذلك زيادة معنى يقتضي الانفصال عنه .