مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : (
ومن أعتق سائبة فهو معتق وله الولاء ) .
قال
الماوردي : والمعتق سائبة أن
يقول السيد لعبده : أنت حر ولا ولاء لي عليك أو يقول له : أنت عتيق سائبة ، فيكون حكمه ألا ولاء عليه ، فلا اختلاف بين الفقهاء أن العتق واقع ، فأما سقوط الولاء فيه ، فمذهب
الشافعي وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء أن الولاء ثابت لا يسقط بتسبية واشتراط سقوطه .
وقال
مالك : يسقط فيه الولاء اعتبارا بشروطه ؟ واستدلالا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
المسلمون على شروطهم . وبما روى
عمر رضي الله عنه قال : " السائبة ليومها " . وفيه تأويلان :
[ ص: 88 ] أحدهما : أن حكمها على ما شرطه في يوم عتقها .
والثاني : أنها ليوم القيامة ؛ لأنه قصد بها الأجر دون الولاء .
وبما روى
الشعبي : أن
سالما مولى أبي حذيفة أعتقته
ليلى بنت يعار زوجة
أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة سائبة ، فقتل يوم اليمامة ، وخلف بنتا ، ومولاته
ليلى زوجة
أبي حذيفة ، فدفع
أبو بكر وعمر إلى بنته النصف ، وعرض الباقي على مولاته ، فقالت : لا أرجع في شيء من أمر
سالم ، فإني جعلته سائبة لله ، فجعل
أبو بكر النصف الباقي في سبيل الله .
ودليلنا قول الله تعالى :
ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ( المائدة : 103 ) ، فلما امتنع من حكم السائبة في البهائم التي لا يجري عليها حكم العتق ، كان المنع في الآدميين ممن يجري عليه حكم العتق أولى .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب . وفيه دليلان : أحدهما : أنه اعتبره بالنسب ، والنسب لا يعتبر حكمه بالشرط ، كذلك الولاء .
والثاني : قوله : " ولا يوهب " والسائبة هبة الولاء ، ولأن موالي
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة باعوها على
عائشة رضوان الله عليها ، واشترطوا أن يكون لهم ولاؤها إذا أعتقت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست في كتاب الله ، كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل . كتاب الله أحق وشروطه أوثق ، والولاء لمن أعتق . فأثبت الولاء للمعتق وأبطل أن يكون لغيره .
وروي أن
طارقا أعتق عبيدا له سوائب ، وكانوا ستة ، وقيل عشرة فماتوا كلهم بعد موت
طارق ، وخلفوا مالا ، فرفع ذلك إلى
عمر فقضى به لورثة
طارق ، فامتنعوا من أخذه ، فقال
عمر : أرجعوه إلى قوم مثلهم ، فأبان بهذا القضاء أن الولاء ثابت في عتق السائبة . وروى
قبيصة بن ذؤيب أن أصحاب السوائب شكوا إلى
عمر رضي الله عنه ، وقالوا : إما أن تجعل العقل علينا ، والميراث لنا ، وإما ألا يكون لنا ميراث ، ولا علينا عقل ، فقضى
عمر لهم بالميراث . وروي مثله عن
علي ، وابن مسعود ، وعمر بن عبد العزيز رضي الله عنهم ، ولأن الولاء في العتق كالرجعة في الطلاق ، فلما كان لو طلقها على ألا رجعة له عليها وقع الطلاق ، واستحق الرجعة ، وجب مثله في عتق السائبة أن يقع العتق ، ويستحق الولاء .
فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم :
المسلمون على شروطهم . فهو ما وصله به إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا ، وهذا منه .
[ ص: 89 ] وأما الجواب عن قول
عمر : " السائبة ليومها " ، فهو مجمل لا يثبت به شرع ، وحمله على مقتضى السنة أولى .
وأما حديث سالم ، فقد حكم
أبو بكر وعمر رضي الله عنهما بدفع ميراثه إلى مولاته ، فلما امتنعت من ميراثه لم تجبر عليه ؛ لأنه حق لها ، وليس بحق عليها ، فوضعه حيث رأى من الوجوه والمصالح .