[ ص: 106 ] مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يعتق في مال غائب حتى يحضر " .
قال
الماوردي : إذا
مات وقد دبر عبدا قيمته مائة درهم وترك مالا غائبا يخرج المدبر من ثلثه ، لم يخل حال الورثة في المال الغائب من أن يقدروا على التصرف فيه ، أو يعجزوا عنه ، فإن عجزوا عنه كان عتق المدبر موقوفا على قدوم الغائب : لأن عتقه وصية في الثلث ، والوصايا لا تمضى إلا أن يحصل الورثة مثلاها ، وقد يجوز أن يتلف الغائب ولا يصل إلى الورثة . وإذا كان كذلك لم يختلف أصحابنا أن
ثلثي المدبر موقوف على قدوم الغائب ، واختلفوا في إمضاء العتق في ثلثه على وجهين :
أحدهما : يعتق ؛ لأنه لو لم يترك سواه لعتق ثلثه ، فإذا ترك معه مالا غائبا فأولى أن يعتق ثلثه .
والوجه الثاني : لا يعتق شيء منه ، فيوقف جميعه ، لئلا ينفذ في العتق ما لم يصل إلى الورثة مثلاه ؛ لأن باقيه موقوف لم يصل الورثة إليه ، ولو لم يكن له مال سواه لتصرف الورثة في باقيه ، فلذلك كان العتق موقوفا كما كان حق الورثة موقوفا ، وبهذا المعنى فرقنا بينه وبين من لم يملك سواه . وكلام
الشافعي يحتمل الوجهين :
الأول : منهما قول الأكثرين .
والثاني : اختيار
أبي حامد الإسفراييني ، ونحن نفرع على الوجهين معا .
فإذا قيل بالوجه الأول أنه يتعجل عتق ثلثه ملك المدبر به ثلث كسبه ، وكان ثلثاه وثلثا كسبه موقوفا . فإن قدم من الغائب خمسون ، عتق نصفه ؛ لأن الخمسين مع قيمته مائة وخمسون ، وقيمة نصفه ثلثها ، ولو قدم من الغائب مائة عتق ثلثاه ؛ لأن المائة مع قيمته مائتان وثلثاه ثلثها فإن قدمت مائة ثانية ، عتق جميعه لوصول الورثة إلى مثلي قيمته ، وإن تلفت ، ولم تصل استقر العتق في ثلثيه ورق للورثة ثلثه ، فصار لهم مع المائة الواصلة مثلا ما عتق من ثلثيه . وإن قيل بالوجه الثاني : إن عتق جميعه موقوف ، كان جميع كسبه موقوفا فإن قدم من الغائب خمسون ، وكان باقيا مرجوا عتق ربعه ؛ لأن الخمسين مثلا ربعه ، وإن كان باقيه تالفا ، عتق نصفه لأن الخمسين مع رق نصفه مثلا نصفه ولو كان القادم من الغائب مائة ، وكان باقيه مرجوا عتق نصفه ؛ لأن المائة مثلا نصفه . ولو كان باقيه تالفا عتق ثلثاه ؛ لأن المائة مع رق ثلثه مثلا ثلثيه ، فإن قدمت مائة ثانية ، عتق جميعه وإلا فقد استقر العتق في ثلثيه والرق في ثلثه ، وملك ثلثي كسبه ، وللورثة ثلث كسبه .