مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " ولا يعتق حتى يقول في الكتابة : فإذا أديت كذا فأنت حر ، أو يقول بعد ذلك : إن قولي كاتبتك كان معقودا على أنك إذا أديت فأنت حر ، كما لا يكون الطلاق إلا بصريح أو ما يشبهه مع النية " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ،
لفظ الكتابة كناية لا يتحرر به العتق عند الأداء ، إلا أن يقترن بها لفظ صريح في العتق . أو نية يريد بها العتق ، فالصريح أن يقول في عقد الكتابة : فإذا أديت آخرها فأنت حر ، والنية أن يقول بعد الكتابة : قد كان قولي : كاتبتك معقودا على أنك إن أديت آخرها فأنت حر ، فإن لم يقترن بعقد الكتابة أحد هذين لم يتحرر بها العتق .
[ ص: 153 ] وقال
أبو حنيفة : لفظ الكتابة صريح يتحرر به العتق عند الأداء من غير أن يقترن به تصريح بالعتق ولا نية كالتدبير هو صريح في تحرير العتق بالموت لا يفتقر إلى تصريح ولا نية ، وهذا فاسد ، لأن لفظ الكتابة كناية يتساوى فيه الاحتمال .
فيحتمل أن يريد به كتابة المراسلة ، ويحتمل أن يريد به كتابة المخارجة ، ويحتمل أن يريد كتابة العتق ، فلم يجز أن يصير مع احتماله صريحا وجرى مجرى قوله في الطلاق : أنت خلية ، أو بريئة .
فأما
لفظ التدبير : فالذي نص عليه
الشافعي أن يكون صريحا في العتق كما نص في لفظ الكتابة أنه كناية في العتق فاختلف أصحابنا في اختلاف نصه فيه على ثلاثة مذاهب :
أحدها : أن نقلوا جوابه في التدبير إلى الكتابة وجوابه في الكتابة إلى التدبير وخرجوه على قولين :
أحدهما : أن اللفظ فيهما صريح في العتق على ما قاله في التدبير
ولا تفتقر الكتابة إلى نية كما لم يفتقر إليها التدبير .
والقول الثاني : أن
اللفظ فيها كناية في العتق لا يقع فيهما إلا بنية أو تصريح على ما قاله في الكتابة ، ولا يقع العتق في التدبير إلا بتصريح أو نية كما لم يصح في الكتابة ، فهذا قول طائفة من المتقدمين .
والمذهب الثاني : وهو قول
أبي إسحاق المروزي : أن
الشافعي إنما جعل
التدبير صريحا في العتق من العالم ، ولو كان من جاهل لكان كناية ، وجعل
الكتابة كناية من الجاهل ، ولو كان من العالم لكان صريحا ، فسوى بين لفظ الكتابة والتدبير ، فجعلهما صريحين من العلماء كنايتين من الجهال .
وهذا قول فاسد ، لأن صريح الطلاق وكنايته تستوي في حق العالم والجاهل ، كذلك الكتابة والتدبير .
والمذهب الثالث : وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة وأكثر أصحابنا ، أن الجواب منهما محمول على ظاهره في الموضعين ، فتكون لفظ الكتابة كناية من العالم والجاهل ، والتدبير صريحا من العالم والجاهل .
والفرق بينهما كثرة التدبير وقلة الكتابة ، فصار التدبير لكثرة استعماله في العتق صريحا ، والكتابة لقلة استعمالها فيه كناية .
[ ص: 154 ]