فصل : وإن قلنا بالقول الثاني أن كتابة الثلاثة باطلة فسد حكم العوض فيها ، وبقي حكم الصفة ، وللسيد أن يرفعها ، ويسقط حكمها ، فإن فعل ذلك وأشهد به على نفسه ، ارتفع حكم الكتابة ، ولم يعتقوا بالأداء ، فإن قيل : أفليس لو
علق عتقه بصفة فقال : إن دخلت الدار فأنت حر ، لم يكن له إبطال هذا الحكم وإسقاطه ، ومتى دخل العبد الدار عتق ، ولا يؤثر فيه رجوع السيد وإبطاله للصفة ، فهلا كان في الكتابة الفاسدة التي قد يغلب فيها حكم العتق بالصفة ممنوعا من إبطالها ، والرجوع فيها .
قيل : الفصل بينهما أنه ألزم نفسه في العتق بالصفات
وقوع العتق بمجرد الصفة ، فلم يكن له إبطال ما التزم ، وهو في
الكتابة الفاسدة إنما ألزم نفسه العتق بالصفة على شرط العوض الذي كاتب عليه ، فإذا بطل ما شرط من العوض أسقط ما تعلق بالصفة من الالتزام فافترقا .
وإذا كان كذلك لم يخل حاله في هذه الكتابة الفاسدة من أحد أمرين : إما أن يرجع فيها فيبطلها ، أو يقرها على حالها .
فإن رجع فيها وأبطلها سقط حكم الصفة ، فإن أدى هؤلاء العبيد مال كتابتهم لم يعتقوا وكانوا على رقهم ، وما استأداه السيد منهم لا يلزمه رده عليهم ، لأنهم عبيده وهو مالك لأكسابهم .
وإن لم يرجع السيد في كتابتهم ، ولا أبطل ما عليهم ، فإن
أدوا جميعا ما عليهم من مال الكتابة ، عتقوا بوجود الصفة وكان له عليهم قيمتهم يوم أدوا فعتقوا لا يوم كوتبوا بخلاف تقويمهم ، لو صحت كتابتهم ، لأن يد السيد ارتفعت عنهم في الكتابة
[ ص: 162 ] الفاسدة وقت الأداء ، وفي الكتابة الصحيحة وقت العقد ، فلذلك كان التقويم فيها إذا فسدت وقت الأداء ، وإذا صحت وقت العقد ، وإذا وجب على كل واحد منهم قدر قيمته نظر ، فإن كانت القيمة من غير جنس مال الكتابة الذي أداه دفع القيمة إلى سيده ، واسترجع منه ما أداه ، وإن كانت من جنسه تقاصا .
فإن كانت القيمة أكثر رجع السيد بالباقي منها ، وإن كان الأداء أكثر رجع المكاتب بالفاضل عنها .
فأما إذا
أدى بعضهم مال كتابته الفاسدة ففي نفوذ عتقه بأدائه وجهان :
أحدهما : وهو اختيار
أبي حامد الإسفراييني أنه لا يعتق تغليبا لحكم العتق بالصفة كما لو قال : إذا أديتم إلي ألفا فأنتم أحرار ، فأدى بعضهم حصته منها لم يعتق .
والوجه الثاني : وهو الظاهر من مذهب
الشافعي أنه يعتق بأداء حصته وحده ، لأنه وإن تغلب في فساد الكتابة حكم العتق بالصفة ، فقد بقي من أحكام المعاوضة ما يخرجه عن حكم الصفة المجردة ، فإذا عتق وحده كان التراجع بالقيمة على ما وصفنا . والله أعلم .