فصل : فإذا تقرر توجيه القولين فإن قلنا بالأول منها أن الكتابة صحيحة ، فكسب المكاتب بينه وبين شريكه ، ليأخذ الشريك منه بقدر ملكه ، ويأخذ المكاتب منه بقدر كتابته ليؤديه فيها ،
فإن لم يهايئه الشريك قاسمه على كل كسبه ، ولم يجز أن يأخذ من سهم الرقاب في الصدقات ، وإن
هايأه ليكتسب لنفسه يوما وللشريك يوما ، جاز . وفي وجوبها إذا طلبها أحدهما وجهان :
أحدهما : تجب كما تجب القسمة إذا دعا إليها أحد الشريكين ، وأصله قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين نسائه ، فجعل لكل واحدة منهن ليلة ، وهي مهايأة قد أوجبها لنفسه وعليها ،
ويجوز للمكاتب بعد المهايأة ، أن يأخذ من سهم الرقاب في الصدقات في أيام نفسه ، ولا يجوز أن يأخذ منها في أيام سيده .
[ ص: 201 ] والوجه الثاني : أنها
لا تلزم إلا عن مراضاة ، لأنها تفضي إلى تأخير حق معجل ، وتعجيل حق مؤخر . وما أفضى إلى هذا لم يلزم ، وبهذا المعنى فارق قسمة الشركاء ، لأنه لا تعجيل فيها ولا تأخير . وأما قسم الزوجات ، فلما لم يمكن الجمع بينهن ، ولم يكن بد من إفراد كل واحدة منهن بحقها ، لزمت المهايأة بينهن ، وليس كذلك هاهنا ، لإمكان الاشتراك من غير مهايأة فافترقا ، فإذا صح هذا ، وأدى المكاتب إلى سيده الذي كاتبه من مال كتابته نظر ، فإن كان أداؤه قبل أن دفع إلى الشريك منه قدر حقه لم يعتق به ، لأن للشريك أن يرجع بقدر حصته منه ، فلم يكمل به الأداء فلم يعتق ، وإن كان ما أداه بعد أن دفع إلى الشريك منه قدر حقه عتق منه قدر ما كوتب منه بالعقد ، ثم اعتبرت بحال سيده الذي كاتبه ، فإن كان معسرا لم يسر عتقه إلى باقيه ، وكان على رقه للشريك فيه ، وإن كان موسرا سرى إلى الباقي ، ويقوم على الشريك الذي كاتبه وقت الأداء وصار جميع المكاتب حرا بالأداء والسراية ،
وإن عجز المكاتب عن أداء كتابته فلسيده الذي كاتبه استرقاقه ، ويصير جميع المكاتب عبدا قنا ،
ويكون ما في يده بعد التعجيز للسيد المكاتب دون الشريك ، لأن الشريك قد استوفى حقه من الكسب .