فصل : وأما القسم الثالث : وهو أن
يكون باقيه ملكا لسيده الذي كاتبه ، كأنه كان يملك جميعه فكاتب نصفه ، فمذهب
الشافعي ، وما عليه جمهور أصحابه أن الكتابة فاسدة قولا واحدا ، لأن
مقصود الكتابة العتق ، ولا يجوز للسيد أن يبعض عتق عبده ، فكذلك لا يجوز أن يبعض كتابته .
وجوز بعض أصحابنا كتابة بعضه ، وخرجه
ابن أبي هريرة قولا ثانيا ، لأنه لما جاز أن يكون في الكتابة شريك غيره جاز أن يكون فيها شريك نفسه ، وهذا خطأ ، لأنه لا يقدر في العبد المشترك على أكثر من الكتابة على حصته فكان غير تبعيض لحقه ، وقادر في ملكه جميع العبد على أن يكاتبه بأسره فصار مبعضا لحقه ، فإن قلنا : تجوز كتابته على هذا الوجه جاز أن
يهايئ المكاتب على كسبه ، فيكسب لنفسه يوما يؤديه في كتابته ، ويوما يأخذه منه بحق ملكه ، وجاز أن لا يهايئه ويكون على الشركة في كسبه ، فإن أدى إليه شيئا احتسب من الكتابة بنصفه المقابل ، لما كاتب منه ، وكان له النصف الباقي لنفسه ، فإن
أدى المكاتب في المهايأة أو مع الإشراك قدر كتابته عتق نصفه بالكتابة وباقيه بالسراية ، سواء كان السيد موسرا أو معسرا ، لأن اليسار معتبر في تقويم حصة الشريك ، وليس بمعتبر بتقويم حصته إذا سرى العتق إليها ، لأنه موسر إذا ملكها ولا يرجع على مكاتبه بقيمة باقيه إذا سرى العتق إليه ، وإن قلنا بفساد الكتابة على الظاهر من مذهب
الشافعي ، وقول جمهور أصحابه ، فللسيد فسخها وإبطالها بالفساد ، ولا يعتق المكاتب فيها بالأداء ،
وإن لم يفسخها حتى أدى المكاتب إليه جميع مالها ، نظر فلو كان ذلك بعد أن استوفى السيد منه قدر حقه بالملك عتق ، وإن كان قبل أداء حقه منه ، ففي عتقه وجهان ، على ما حكاه
ابن سريج ، فإذا
رجع العتق على حصة الكتابة سرى إلى باقيه ، فعتق جميعه ، وترادا القيمة في الأداء ، لوقوع العتق عن كتابة فاسدة ، وفيما يرجع السيد به على مكاتبه وجهان :
أحدهما : جميع القيمة ، لوقوع عتقه في كتابة فاسدة .
والوجه الثاني : يرجع عليه بقيمة النصف الذي كاتبه عليه ، لأنه هو المعتق بالكتابة ، ولا يرجع عليه بقيمة ما عتق بالسراية ، لاختصاص السيد به في حقه . والله أعلم .