مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : "
ولا يجوز أن يكاتباه معا حتى يكونا فيه سواء . وقال في كتاب الإملاء على
محمد بن الحسن : وإذا
أذن أحدهما لصاحبه أن يكاتبه فالكتابة جائزة وللذي لم يكاتبه أن يختدمه يوما ويخلى والكسب يوما ، فإن أبرأه مما عليه كان نصيبه حرا وقوم عليه الباقي وعتق إن كان موسرا ورق إن كان معسرا ( قال
[ ص: 203 ] المزني ) الأول بقوله أولى لأنه زعم لو كانت كتابتهما فيه سواء فعجزه أحدهما فأنظره الآخر فسخت الكتابة بعد ثبوتها حتى يجتمعا على الإقامة عليها ، فالابتداء بذلك أولى ( قال
المزني ) ولا يخلو من أن تكون كتابة نصيبه جائزة كبيعه إياه ، فلا معنى لإذن شريكه أو لا تجوز ، فلم جوزه بإذن من لا يملكه " .
قال
الماوردي :
إذا كان العبد بين شريكين جاز أن يجتمعا على كتابته ، فتصح قولا واحدا .
فإن قيل : فهلا كانت على قولين ، كما لو كاتبه أحدهما قبل الآخر ؟ قيل : قد كان بعض أصحابنا يذهب إلى هذا ، ويخرج كتابتهما على قولين ، لأن
العقد إذا اجتمع في أحد طرفيه عاقدان جرى عليه حكم العقدين ، فصار كل واحد منهما كالمنفرد بكتابته ، فاقتضى أن يكون على قولين ، وذهب جمهور أصحابنا إلى فساد هذا التخريج ، وأن الكتابة باجتماعهما عليها جائزة قولا واحدا ، لكمال تصرفه ، وهو في كتابتهما كامل التصرف ، ويجوز أخذه من الصدقات وهو من كتابة أحدهما ممنوع منها ، فافترقا .
فإذا صح جواز اجتماعهما على كتابته ، فقد قال
الشافعي :
لا يجوز أن يكاتباه حتى يكونا فيه سواء ، واختلف أصحابنا في تأويل هذا الكلام على وجهين :
أحدهما : أنه أراد تساويهما في ملكه ، فيكون بينهما نصفين ، فتصح حينئذ منهما مكاتبته على مال يتساويان فيه ، أو يتفاضلان لقول
الشافعي : حتى يكونا فيه سواء ، يعني في العبد ، ولو أراد الكتابة لقال : حتى يكونا فيها سواء ، وإن تفاضلا في الملك فكان لأحدهما ثلثه ، والآخر ثلثاه لم تصح كتابتهما لتفاضلهما وقوة أحدهما ، فصار التساوي بينهما معدوما .
والوجه الثاني : وبه قال جمهور أصحابنا ونص
الشافعي عليه في موضع من كتاب الأم : أن المراد به أن
يتساويا في مال الكتابة بحسب الملك ، فإذا كان بينهما نصفين ، فكاتبه كل واحد منهما على ألف جاز ، ولو كاتبه أحدهما على ألف ، والآخر على ألفين لم يجز ، لتفاضلهما في المال مع تساويهما في الملك ، ولو
كان بينهما أثلاثا فكاتبه كل واحد منهما على ألف لم يجز لتساويهما في المال مع تفاضلهما في الملك ، ولو
كاتبه صاحب الثلث على ألف وصاحب الثلثين على ألفين جاز ، لتساويهما في المال وإن تفاضلا في الملك ، ليكون الكسب المؤدى بعد الكتابة معتبرا باستحقاقهما له بالملك قبل الكتابة .
[ ص: 204 ] فإن قيل : فهلا جاز أن يتفاضلا في الملك والمال جميعا كما يجوز في اجتماعهما على البيع أن يتفاضلا في الملك والثمن ؟ قيل : لأنه ليس لواحد منهما في البيع أن يمنع صاحبه منه . فجاز أن يفضل عليه فيه وله منعه من الكتابة فلم يجز أن يفضل عليه فيها ، ولأن الكتابة تؤدى من الكسب الذي قد تساويا فيه ، والثمن في البيع يؤدى من غيره فافترقا .