مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
أذن أحدهما لشريكه أن يقبض نصيبه فقبضه ثم عجز ففيها قولان : أحدهما : يعتق نصيبه منه ولا يرجع شريكه ويقوم عليه الباقي إن كان موسرا ، وإن كان معسرا فجميع ما في يديه للذي بقي له فيه الرق لأنه يأخذه بما بقي له من الكتابة ، فإن كان فيه وفاء عتق وإلا عجز بالباقي ، وإن مات بعد العجز فما في يديه بينهما نصفان يرث أحدهما بقدر الحرية والآخر بقدر العبودية . والقول الثاني : لا يعتق ويكون لشريكه أن يرجع عليه فيشركه فيما قبضه لأنه أذن له به وهو لا يملكه ( قال
المزني ) هذا أشبه بقوله أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم وما في يديه موقوف ما بقي درهم فليس معناه فيما أذن له بقبضه إلا بمعنى : اسبقني بقبض النصف حتى أستوفي مثله ، فليس يستحق بالسبق ما ليس له كأنه وزن لأحدهما قبل الآخر . قال في كتاب الإملاء على كتاب
مالك : إن ذلك جائز ويعتق نصيبه والباقي على كتابته ، فإن أدى فالولاء بينهما ، وإن عجز قوم على المعتق إن كان موسرا ورق إن كان معسرا ( قال
المزني ) قد قال
ولو أعتقه أحدهما قوم عليه الباقي إن كان موسرا وعتق كله ، وإلا كان الباقي مكاتبا ، وكذلك لو أبرأه كان كعتقه إياه ( قال
المزني ) فهذا أشبه بقوله وأولى بأصله ، وبالله التوفيق " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا أن
المكاتب إذا كان بين شريكين ليس له أن يقدم أحدهما في الأداء ، وعليه أن يسوي بينهما فيه ، لتساويهما في الاستحقاق ، فإن عجل إلى أحدهما مال كتابته ، لم يخل أن يكون التعجيل بإذن الشريك ، أو بغير إذنه ، فإن كان بغير إذن الشريك لم تعتق حصة المتعجل ، وإن استأدى جميع كتابته ، لأن لشريكه أن يرجع عليه بقدر حقه منه وهو النصف ، فلم يكمل الأداء فلذلك لم يقع العتق .
وإن كان
التعجيل بإذن الشريك ففي صحته قولان :
أحدهما : وهو اختيار
المزني ، أن التعجيل لا يصح وللشريك أن يرجع على المتعجل بنصف ما تعجله ، كما لو لم يأذن فيه لأمرين :
أحدهما : أن الآذن لم يملك ما أذن فيه ، فكان وجود إذنه كعدمه .
والثاني : أن الإذن بالتعجيل يجري مجرى السبق في القبض مع وجود المال ، ولو
[ ص: 207 ] كان المال حاضرا ، فأذن أحدهما للآخر أن يسبقه بقبض حقه فقبضه ، وتلف الباقي كان للشريك الثاني أن يرجع على السابق بنصف ما قبض ، لأن الإذن بالسبق معتبر بأن يتعقبه قبض الآخر ، كذلك الإذن في التعجيل .
والقول الثاني : وهو الأصح ، أن التعجيل صحيح ، تعتق به حصة المتعجل ، وليس للآذن أن يرجع عليه بشيء منه لأمرين :
أحدهما : أن الآذن لم يملك ما بيد المكاتب ، وإنما ملك الحجر عليه بحق كتابته ، فإذا أذن في التقديم فقد أسقط حقه من الحجر ، فلم يستحق الرجوع وجرى مجرى البائع يستحق حبس المبيع على قبض ثمنه ، فإذا سلمه سقط حقه في احتباسه ، وكالمرتهن في احتباس الرهن .
والثاني : أن إذنه بالتعجيل كالهبة ، لا يجوز له أن يرجع فيما وهب فكان أولى أن لا يرجع فيما أذن .