مسألة : قال
الشافعي ، رضي الله عنه : " فإن
جني على ولدها ففيها قولان : أحدهما أن للسيد قيمته وما كان له لأن المرأة لا تملك ولدها ويؤخذ السيد بنفقته ، وإن اكتسب أنفق عليه منه ووقف الباقي ، ولم يكن للسيد أخذه ، فإن مات قبل عتق أمه كان لسيده ، وإن عتق بعتقها كان ماله له ، وإن أعتقه السيد جاز عتقه ، وإن أعتق ابن المكاتب من أمته لم يجز عتقه ، وإنما فرقت بينهما : لأن المكاتبة لا تملك ولدها وإنما حكمه حكمها ، والمكاتب يملك ولده من أمته لو كان يجري عليه رق . والقول الثاني أن أمهم أحق بما ملكوا تستعين به لأنهم يعتقون بعتقها ، والأول أشبههما ( قال
المزني ) الآخر أشبههما بقوله إذا كانوا يعتقون بعتقها فهم أولى بحكمها ، ومما يثبت ذلك أيضا قوله :
لو وطئ ابنة مكاتبته أو أمها كان عليه مهر مثلها ، وهذا يقضي لما وصفت من معنى ولدها " .
قال
الماوردي : إذا تقرر القولان في
ولد المكاتبة ، هل يكون عبدا للسيد أو تبعا لأمه ؟ فإن جعلناه عبدا تعلقت عليه أحكام العبيد في كسبه ، ونفقته وعتقه ، والجناية
[ ص: 212 ] عليه ، وسائر أحكامه ، وإن جعلناه تبعا لأمه وأحكامه معتبرة بما سنذكره ، وهي تشتمل على خمسة فصول :
أحدها : الجناية عليه ، وهي ضربان : نفس وطرف ، فإن كانت الجناية على نفسه فضربان : خطأ يوجب المال ، وعمد يوجب القود ، فإن
كانت الجناية عليه خطأ توجب المال ففيه قيمته ، لأنه قتل عبدا ، وإن كان تبعا ، وفيها قولان :
أحدهما : أن قيمته لأمه تستعين بها في كتابتها ، ولا تكون لسيدها ، وهذا اختيار
المزني ، ووجهه شيئان :
أحدها : وهو الذي ذكره
المزني : أنه لما كان الولد تبعا لها يعتق بعتقها كانت أولى بقيمته من السيد الذي لا يكون تبعا له .
والثاني : أنه لما كانت
قيمة ولد المكاتب لو قتل تكون للمكاتب دون السيد كذلك ولد المكاتبة إذا قتل .
والقول الثاني : وهو اختيار
الشافعي : أن قيمة الولد تكون للسيد دون الأم ووجهه شيئان :
أحدهما : أنه لما كانت قيمتها للسيد لو قتلت ، كان أولى أن تكون له قيمة ولدها .
والثاني : أنه مملوك للسيد دون الأم ، فكان بقيمته أحق من الأم ، وبهذا المعنى فرقنا بين ولد المكاتب وولد المكاتبة ، لأن المكاتب يملك ولده والمكاتبة لا تملك ولدها ، واحتجاج
المزني بأنه تبع لأمه لا يوجب أن تختص بقيمته ، لأن ولد أم الولد تبع لها يعتق بعتقها ، ولا تملك قيمته إن قتل .
وإن
كانت الجناية عليه عمدا يوجب القود ، فإن جعلنا قيمته في الخطأ للسيد ، فالقود في العمد مردود إلى خيار السيد ، فإن اقتص أو عفا فلا اعتراض للأم عليه ، وإن جعلنا قيمته للأم ، فإن اقتصت كان لها ، ولم يكن للسيد بيعها ، وإن عفت عنه إلى المال كان لها ، تستعين به في كتابتها ، وإن عفت عنه كان في صحة عفوها قولان ، من اختلاف القولين في قتل العمد : هل يوجب القود وحده ، أو يوجب أحد الأمرين من القود أو الدية .
فإن قيل : إنه موجب للقود وحده ، ولا يوجب المال باختيار الولي كان عفو الأم عنه جائزا ، أذن فيه السيد أو لم يأذن ، لأن السيد لا حق له في القود ، فيمنع من العفو عنه ، والمال لا يجب إلا باختيار الأم ، وليس للسيد أن يجبرها على تملكه ، وإن قيل : إنه موجب لأحد أمرين لم يصح عفوها عنهما بغير إذنه ، لما فيه من استهلاك مال قد ملك الحجر عليها فيه ، وفي صحة عفوها بإذنه قولان كالهبة .
[ ص: 213 ] وإن كانت الجناية عليه في طرف فهي ضربان أيضا : عمد وخطأ .
فإن كانت خطأ يوجب المال ، ففيها ثلاثة أقاويل :
أحدها : أن الأرش فيها للسيد .
والثاني : للأم .
والثالث : أنه موقوف على الولد ، فإن عتق بعتق أمه كان الأرش له ، وإن رق برقها كان للسيد ، وإن كانت عمدا يوجب القود فهو مبني على مستحق الأرش في الخطأ ، فإن جعلناه للسيد كان القود في طرفه مستحقا للأم ، وإن جعلناه موقوفا على عتق الولد ورقه فلا حق للأم في القود ، وهو موقوف بين الولد والسيد ، فإن اجتمعا عليه جاز أن يستوفياه ، وإن تفرد به أحدهما لم يجز ، لأنه إن تفرد به الولد جاز أن يكون للسيد إن رق ، وإن تفرد به السيد جاز أن يكون للولد إن عتق ، فلذلك منع أحدهما من التفرد به حتى يجتمعا عليه أو تستقر أم الولد على عتق فيكون القود له ، أو على رق فيكون لسيده . والله أعلم .