الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال الشافعي رضي الله عنه : " ولو أغار المشركون على مكاتب ثم استنقذه المسلمون كان على كتابته " .

قال الماوردي : وصورتها في مسلم كاتب عبده ثم أغار المشركون على المكاتب ، فسبوه لم يملكوه على سيده ، وكان على كتابته ، لأن المشرك لا يملك مال مسلم ، وقد وافقنا عليه أبو حنيفة في أنهم لا يملكون على المسلم مكاتبه ، ولا مدبره ، ولا أم ولده ، وخالف فيما سوى ذلك من أموال المسلم ، وما وافق عليه أصل يحجه فيما خالف فيه ، وهكذا لو كان المكاتب المسبي لذمي في دار الإسلام أو مستأمن لم يملك المشركون عليه بالسبي ، لأن لدار الإسلام حرمة تمنع منه ، وإذا كان فالمكاتب بعد السبي على كتابته ، وليس للسبي تأثير في حلها ، للزوم العقد في حقه ، فإذا أدى في حال السبي عتق ، وإن لم يؤد فلا يخلو حاله من أحد أمرين .

إما أن يكون مطلق التصرف في دار الحرب أو مقهورا ، فإن كان مطلق التصرف في دار الحرب فخلا بينه وبين الكسب ، فذلك الزمان محسوب عليه من نجوم كتابته ، وللسيد إذا حلت نجومه أن يعجزه بها ، ويعيده عبدا ، وإن كان مقهورا فيها لغلبة المشركين على استخدامه حتى قدرنا عليه ، فهل يحسب عليه المدة التي كان مغلوبا على نفسه أم لا ؟ على قولين كالمكاتب إذا غلبه سيده على نفسه باستخدامه :

أحد القولين : أنه لا يحتسب عليه بتلك المدة ، لأن الأجل في الكتابة لاكتساب المكاتب فيها والاكتساب في زمان الغلبة غير ممكن ، فلم يحتسب به ، فعلى [ ص: 263 ] هذا يلغى زمان الغلبة في السبي ، ولا يعتد به في نجوم الكتابة ، ويستأنف الأجل بعد القدرة عليه على ما تقدم قبل السبي له ، فإذا حلت نجومه طولب بكتابته ، فإن أداها وإلا أعاده السيد بالتعجيز عبدا .

والقول الثاني : أن زمان القهر والغلبة محسوب عليه في نجومه ، وأجل كتابته ، لأنه لا صنع للعبد فيها فجرى مجرى عجزه عن الكسب في زمان القهر في احتسابه عليه مجرى عجزه عن الكسب بالمرض ووجوب احتسابه عليه ، فعلى هذا إن حلت نجومه ، وهو مقهور بالسبي كان للسيد تعجيزه وإعادته عبدا ، وهل يجوز أن ينفرد بتعجيزه وفسخ كتابته أم لا ، على وجهين :

أحدهما : يجوز له تعجيزه وفسخ كتابته من غير حاكم يفسخها ، كما لو كان المكاتب حاضرا .

والوجه الثاني : ليس له فسخها مع غيبته إلا بحكم حاكم ينوب عن المكاتب في غيبته ، لئلا يصير منفردا بها ، وليكون الحاكم كاشفا عن حال المكاتب ، لجواز أن يكون له مال يؤدي ، منه فإذا فسخت الكتابة عليه وصار عبدا في الحكم ثم عاد وبان أنه كان ذا مال لم يقدر على إيصاله إلى سيده بطل الحكم بتعجيزه واسترقاقه ، وحكم بعتقه بعد أدائه .

التالي السابق


الخدمات العلمية