[ ص: 172 ] باب الفدية وهي على ثلاثة أضرب ، أحدها : ما هو على التخيير ، وهو نوعان : أحدهما : يخير بين صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين ، لكل مسكين مد بر ، أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة ، وهي فدية حلق الرأس ، وتقليم الأظافر ، وتغطية الرأس واللبس والطيب وعنه : يجب الدم إلا أن يفعله لعذر فيخير . الثاني : جزاء الصيد يخير فيه بين المثل أو يقومه بدراهم ، فيشتري بها طعاما فيطعم كل مسكين مدا ، أو يصوم عن كل مد يوما ، وإن كان مما لا مثل له ، خير بين الإطعام والصيام وعنه : إن جزاء الصيد على الترتيب ، فيجب المثل ، فإن لم يجده لزمه الإطعام ، فإن لم يجده صام .
باب الفدية قال : الجوهري فداه ، وفاداه : إذا أعطى فداءه ، وفداه بنفسه ، وفداه : إذا قال : له : جعلت فداك . انتهى .
وهي ما تجب بسبب نسك أو حرم ، ( وهي على ثلاثة أضرب ) منها ما ورد النص بالتخيير فيه ، ومنها ما ورد بالترتيب ، ومنها ما لم يرد فيه تخيير ، ولا ترتيب كفدية الفوات ( أحدها ما هو على التخيير ، وهو نوعان ) ; لأنه تارة يكون فدية الأذى ونحوه ، وتارة جزاء صيد فأشار إلى الأول بقوله :
( أحدهما : يخير بين صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع تمر أو شعير أو ذبح شاة ) لقوله - تعالى - فمن كان منكم مريضا الآية [ البقرة : 184 ] ولحديث كعب السابق ، وفي لفظ nindex.php?page=hadith&LINKID=10339616إحلق رأسك ، وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين أو انسك شاة . متفق عليه . فقد دلا على وجوب الفدية على صفة التخيير من الصيام ، والصدقة ، والذبح في حلق الرأس ; لأن " أو " للتخيير ، وليس في الآية ذكر الحلق ; لأنه محذوف ، وتقديره فحلق ففدية كقوله - تعالى - فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر [ البقرة : 184 ] أي : فأفطر ( وهي فدية حلق الرأس ) المنصوص عليه ، وقسنا الباقي عليه ، ( و ) هو ( تقليم الأظافر ، وتغطية الرأس ، واللبس والطيب ) لاستواء الكل في كونه حرم في الإحرام لأجل الترفه ، فالصوم ثلاثة أيام عند أحمد وأصحابه ، واختار nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري يصوم ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة [ ص: 173 ] إذا رجع ، وما ذكره من الإطعام ورد في بعض الألفاظ ، وهو أشهر ; لأنه أنفع من غيره ككفارة اليمين ، وعنه : نصف صاع كغيره ; لأنه ليس بمنصوص عليه فيعتبر بالتمر والزبيب المنصوص كالشعير . وظاهره أن غير المعذور مثله في التخيير في ظاهر المذهب ; لأنه تبع للمعذور ، والتبع لا يخالف أصله ; ولأن كل كفارة ثبت التخيير فيها مع العذر ثبت مع عدمه كجزاء الصيد . والشرط لجواز الحلق لا التخيير ، ( وعنه : يجب الدم ) عينا ، فإن عدمه ، أطعم ، فإن تعذر صام ( إلا أن يفعله لعذر فيخير ) جزم به القاضي وأصحابه في كتب الخلاف ; لأنه دم يتعلق بمحظور يختص الإحرام كدم يجب بترك رمي ، ومجاوزة ميقات .
( الثاني جزاء الصيد يخير فيه ) ، نص عليه ، وقاله الأصحاب لقوله - تعالى - ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما [ المائدة : 95 ] فعطف هذه الخصال بعضها على بعض بـ " أو " المقتضية للتخيير كفدية الأذى واليمين ، بخلاف كفارة القتل ، وهدي المتعة ؛ لأنها كفارة إتلاف منع منه للإحرام أو فيها أجناس كالحلق ، ولأن الله ذكر الطعام فيها للمساكين فكان من خصالها كغيرها فعلى هذا يخير فيه ( بين المثل ) وسيأتي فإن اختاره ذبحه ، وتصدق به على المساكين ، وله ذبحه متى شاء ، ولا يتصدق به حيا ( أو يقومه ) أي : المثل ( بدراهم فيشتري بها طعاما ) نص عليه ، وقاله الأصحاب ; لأن كل متلف وجب مثله إذا قوم ، وجب قيمة مثله كالمثلي في مال الآدمي ، فعلى هذا يقوم بالموضع الذي أتلفه فيه وبقربه ، جزم به القاضي وغيره ، وجزم آخرون يقوم بالحرم ; لأنه محل ذبحه ، وعنه : يقوم مكان إتلافه أو بقربه [ ص: 174 ] لا المثل عما لا مثل له ، والفرق واضح ، وعنه : يجوز له الصدقة بالدراهم ، ولا يتعين أن يشتري بها طعاما ، والقيمة ليست مما خير الله فيه ، والطعام المخرج هو الذي يخرج في فدية الأذى والفطرة والكفارة ، وقيل : يجزئ كل ما يسمى طعاما ، وجزم به في " الخلاف " وذكره في " المغني " و " الشرح " احتمالا لإطلاق لفظه ( فيطعم كل مسكين مدا ) أي : من البر ، ومن غيره مدان ، نص عليه ، والمؤلف أطلق العبارة كالخرقي ( أو يصوم عن كل مد يوما ) ذكره الخرقي ، وحكاه في " المغني " رواية ؛ لأنها كفارة دخلها الصوم والإطعام مكان اليوم في مقابلة المد ، ككفارة الظهار ، وعنه : يصوم عن كل نصف صاع يوما ، وحمل القاضي الأولى على الحنطة ، والثانية على التمر والشعير ، إذ الصيام مقابل الإطعام في كفارة الظهار وغيرها فكذا هنا .
وبالجملة فيعتبر كل مذهب على أصله فعندنا من البر مد ، ومن غيره مدان .
فرع : إذا بقي من الطعام ما لا يعدل يوما ، صام يوما ، نص عليه ؛ لأنه لا يتبعض ، ولا يجوز أن يصوم عن بعض الجزاء ، ويطعم عن بعضه ، كبقية الكفارات ، ( وإن كان مما لا مثل له خير بين الإطعام والصيام ) ; لأن النص بالتخيير بين الثلاثة فإذا عدم أحدها ، بقي التخيير بين التاليين ، فإذا اختار الإطعام يوم الصيد ؛ لأنه مثل فلزمته قيمته كمال الآدمي فيشتري بها طعاما فيطعمه المساكين ، وإذا اختار الصيام ، فعلى ما سبق . وظاهره أنه لا يجوز إخراج القيمة في ظاهر نقل حنبل ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كالذي له مثل ، وقيل : بلى ، روي عن عمر وعطاء ( وعنه : أن جزاء الصيد على الترتيب ) نقلها [ ص: 175 ] محمد بن عبد الحكم ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري كالمتعة ، وهذا أولى منها ; لأنه يجب بفعل محظور ( فيجب المثل فإن لم يجده لزمه الإطعام فإن لم يجده صام ) كما ذكرنا ، والصحيح الأول ; لأن ذلك الترتيب قياس مع وجود النص ، ونقل الأثرم : لا إطعام فيها ، وإنما ذكره في الآية ليعدل به الصيام ; لأن من قدر على الإطعام ، قدر على الذبح ، وكذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .