يصح أمان المسلم المكلف ، ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا ، مطلقا ، أو أسيرا . وفي أمان الصبي المميز روايتان ويصح أمان الإمام لجميع المشركين ، وأمان الأمير لمن جعل بإزائه ، وأمان أحد الرعية للواحد والعشرة ، والقافلة . ومن قال لكافر : أنت آمن ، أو : لا بأس عليك ، أو : أجرتك ، أو : قف ، أو : ألق سلاحك ، أو مترس ، فقد أمنه ومن جاء بمشرك فادعى أنه أمنه ، فأنكره فالقول قوله ، وعنه : قول الأسير ، وعنه : قول من يدل الحال على صدقه . ومن أعطي أمانا ليفتح حصنا ، ففتحه واشتبه علينا ، حرم قتلهم واسترقاقهم . وقال أبو بكر : يخرج واحد بالقرعة ، ويسترق الباقون . .
( يصح أمان المسلم المكلف ) أي : البالغ العاقل فلا يصح من كافر ، وإن كان ذميا للخبر ، ولأنه متهم على الإسلام وأهله ، فلم يصح منه كالحربي ، ولا من طفل ، ومجنون ؛ لأن كلامه غير معتبر فلا يثبت به حكم ، ومن زال عقله بنوم أو سكر أو إغماء هو كالمجنون ؛ لأنه لا يعرف المصلحة من غيرها ( ذكرا كان أو أنثى ) نص عليه ، ولقوله - عليه السلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=10339902قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ . رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وأجارت nindex.php?page=showalam&ids=437زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=showalam&ids=9920أبا العاص بن الربيع فأجاره النبي - صلى الله عليه وسلم - ( حرا ) اتفاقا ( أو عبدا ) في قول أكثر العلماء لقول عمر : العبد المسلم رجل من المسلمين يجوز أمانه . رواه سعيد ، ولقوله - عليه السلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=10339903يسعى بها أدناهم فإن كان كذلك فصح أمانه بالحديث ، وإن كان غيره أدنى منه ، فيصح من باب أولى ، ولأنه مسلم مكلف ، فصح منه كالحر ( مطلقا ) سواء كان مأذونا له في القتال أو لا ( أو أسيرا ) نص على ذلك ، وللعموم ، وبعضهم شرط فيه أن يكون مختارا ، ولا حاجة إليه ؛ لأن المسلم الحر المطلق لو أكره على الأمان ، لم يصح ، فلا حاجة لاختصاص الأسير به .
( وفي أمان الصبي المميز روايتان ) ؛ إحداهما : لا يصح ، لعدم تكليفه ، [ ص: 390 ] كالمجنون ، والثانية : تصح ، وهي المذهب قال أبو بكر : رواية واحدة ، وحمل الأول على غير المميز لعموم الخبر ، ولأنه عاقل ، فصح منه كالبالغ ، بخلاف المجنون . وظاهره أنه يصح منجزا ، ومعلقا بشرط ، ومن شرط صحته أن يكون مختارا . ولم يصرح به للعلم به ، وعدم الضرر علينا ، وأن لا تزيد مدته على عشر سنين ، قاله في " الترغيب " وفي جواز إقامتهم بدارنا هذه المدة بلا جزية وجهان . وشرط في " عيون المسائل " لصحته معرفة المصلحة فيه ، وذكر جماعة الإجماع في المرأة بدون هذا الشرط ( ويصح أمان الإمام لجميع المشركين ) لأن ولايته عامة ( وأمان الأمير لمن جعل بإزائه ) أي : بحذائه ؛ لأن له الولاية عليهم فقط . فدل على أنه كآحاد المسلمين في حق غيرهم ( وأمان أحد الرعية ) قال : الجوهري الرعية : العامة . ( للواحد والعشرة والقافلة ) كذا ذكره معظمهم ، لعموم الخبر ؛ فقيل : لقافلة صغيرة ، وحصن صغير ، وجزم به في " الشرح " ؛ لأن عمر أجاز أمان العبد لأهل الحصن ، فعلى هذا لا يصح لأهل بلدة كبيرة ، ولا رستاق وجمع كبير ، لأنه يفضي إلى تعطيل الجهاد ، والافتئات على الإمام ، وأطلق في " الروضة " كحصن أو بلد ، وأنه يستحب أن لا يجار على الأمير إلا بإذنه ، وقيل : لمائة .
فرع : يصح أمان غير الإمام للأسير بعد الاستيلاء عليه ، فيعصمه من القتل ، نص عليه ، لقصة زينب في أمانها لزوجها ، وقال القاضي في " المحرر " : لا يصح إلا من الإمام ؛ لأن أمر الأسير إليه ، فلا يجوز الافتئات عليه .
( ومن قال لكافر : أنت آمن ) فقد أمنه ، لقوله - عليه السلام - يوم فتح مكة : [ ص: 391 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=10339904من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كقوله : لا خوف عليك ولا تذهل . وكما لو أمن يده أو بعضه . ( أو : لا بأس عليك ) لأن عمر لما قال للهرمزان : لا بأس عليك ، قالت له الصحابة : قد أمنته ، لا سبيل لك عليه . رواه سعيد . ( أو : أجرتك ) لقوله - عليه السلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=10339902قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ ( أو : قف ) كقم ( أو ألق سلاحك ) لأن الكافر يعتقده أمانا أشبه ما لو سلم عليه . ( أو مترس ) ومعناه : لا تخف ، وهو بفتح الميم ، والتاء ، وسكون الراء ، وآخره سين مهملة ، ويجوز سكون التاء ، وفتح الراء ، وهي كلمة أعجمية . ( فقد أمنه ) لقول nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إن الله يعلم كل لسان فمن كان منكم أعجميا فقال : ( مترس ) فقد أمنه . والإشارة كالقول قال عمر : لو أن أحدكم أشار بأصبعه إلى السماء إلى مشرك فنزل إليه فقتله ، لقتلته . رواه سعيد ، وقال أحمد : إذا أشير إليه بشيء غير الأمان ، فظنه أمانا ، فهو أمان ، وكل شيء يرى العلج أنه أمان ، فهو أمان ، وقال : إذا اشتراه ليقتله فلا يقتله ؛ لأنه إذا اشتراه فقد أمنه .
فإن قلت : كيف يصح الأمان بالإشارة مع القدرة على النطق ، بخلاف البيع والطلاق ؛ .
قلت : تغليبا لحقن الدم ، مع أن الحاجة داعية إلى الإشارة ؛ لأن الغالب فيهم عدم فهم كلام المسلمين كالعكس . وشرط انعقاد الأمان أن لا يرده الكافر ؛ لأنه إيجاب حق فلم يصح مع الرد كالبيع . وإن قتله ، ثم رده ، انتقص ؛ لأنه حق له فسقط بإسقاطه كالرق .
فرع : يقبل قول عدل : إني أمنته في الأصح كإخبارهما أنهما أمناه [ ص: 392 ] لأنهما غير متهمين كالمرضعة على فعلها ، وإذا أمنه سرى إلى ما معه من أهل ومال إلا أن يقول : أمنتك نفسك فقط .
( ومن جاء بمشرك : فادعى أنه أمنه ، فأنكره ، فالقول قوله ) أي : قول المنكر المسلم . هذا هو المجزوم به ؛ لأن الأصل إباحة دم الحربي ، وعدم الأمان ( وعنه : قول الأسير ) ، اختاره أبو بكر ؛ لأن صدقه محتمل فيكون قوله شبهة في حقن دمه ( وعنه : قول من يدل الحال على صدقه ) لأن ظاهر الحال قرينة تدل على الصدق ، فعلى هذا إن كان الكافر ذا قوة ، ومعه سلاحه ، فالظاهر صدقه وإن كان ضعيفا مسلوبا سلاحه ، فالظاهر كذبه ؛ فلا يلتفت إليه ؛ لأنه قد تنازع الحكم أصلان أحدهما : مخالفة الأصل للدعوى الموجبة ، والثاني : احتمال الصدق في الدعوى المانعة ، فوجب الترجيح بالقرينة قال في " الفروع " : ويتوجه مثله أعلاج استقبلوا سرية دخلت بلد الروم ، فقالوا : جئنا مستأمنين ، قال في رواية أبي داود : إن استدل عليهم بشيء . قلت : إن هم وقفوا فلم يبرحوا ولم يجردوا سلاحا ؛ فرأى لهم الأمان .
( ومن أعطي أمانا ليفتح حصنا ففتحه ) أو أسلم واحد منهم ( واشتبه علينا حرم قتلهم ) ، نص عليه ؛ لأن كل واحد منهم يحتمل صدقه ، واشتبه المباح بالمحرم فيما لا ضرورة إليه ، فوجب تغليب التحريم ، كما لو اشتبه زان محصن بمعصومين [ ص: 393 ] ( واسترقاقهم ) لأن استرقاق من لا يحل استرقاقه محرم ، وعلم منه أن المسلمين إذا حاصروا حصنا فطلب واحد منهم الأمان ليفتحه لهم ، جاز أن يعطوه أمانا ، لقول nindex.php?page=showalam&ids=185الأشعث بن قيس ( وقال أبو بكر ) وصاحب " التبصرة " ( يخرج واحد بالقرعة ) لأن الحق واحد منهم غير معين ، ويخرج صاحب الأمان بها . ( ويسترق الباقون ) كما لو أعتق عبدا من عبيده ، ثم أشكل ، بخلاف القتل ، فإنه يدرأ بها لشبهة . قال في " الفروع " : ويتوجه مثله لو نسي أو اشتبه من لزمه قود ، فلا قود . وفي الدية بقرعة الخلاف .