وعلى الإمام حفظهم ، والمنع من أذاهم ، واستنقاذ من أسر منهم وإن تحاكموا إلى الحاكم مع مسلم ، لزمه الحكم بينهم ، وإن تحاكم بعضهم مع بعض ، أو استعدى بعضهم على بعض ، خير بين الحكم بينهم وبين تركهم ، ولا يحكم إلا بحكم الإسلام وإن تبايعوا بيوعا فاسدة ، وتقابضوا لم ينقض فعلهم ، وإن لم يتقابضوا فسخه الحاكم ، سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أم لا . وإن تهود نصراني ، أو تنصر يهودي ، لم يقر ، ولا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه ، ويحتمل ألا يقبل منه إلا الإسلام ، فإن أبى هدد وحبس ، ويحتمل أن يقتل . وعنه : أنه يقر ، وإن انتقل إلى غير دين أهل الكتاب ، أو انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب ، لم يقر ، وأمر أن يسلم ، فإن أبى قتل . وإن انتقل غير الكتابي إلى دين أهل الكتاب ، أقر ، ويحتمل ألا يقبل منه إلا الإسلام ، وإن تمجس الوثني ، فهل يقر ؛ على روايتين .
( وعلى الإمام حفظهم والمنع من أذاهم ) لأنهم بذلوا الجزية على ذلك ( واستنقاذ من أسر منهم ) لأنه جرت عليهم أحكام الإسلام ، وتأبد عهدهم ، فلزمه ذلك كما يلزمه للمسلمين . وظاهره ولو لم يكونوا في معونتنا . وقال [ ص: 429 ] القاضي : إنما يجب فداؤهم إذا استعان بهم الإمام في قتال فسبوا . وبكل حال يبدأ بفداء المسلمين قبلهم ؛ لأن جزية المسلم أعظم . ( وإن تحاكموا إلى الحاكم مع مسلم لزمه الحكم بينهم ) لما فيه من إنصاف المسلم من غيره ، أو رده عن ظلمه ، وذلك واجب ، ولأن في ترك الإجابة إليه تضييعا للحق .
( وإن تحاكم بعضهم مع بعض ، أو استعدى بعضهم على بعض ، خير بين الحكم بينهم وبين تركهم ) في الأشهر عنه ؛ لقوله تعالى : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم [ المائدة : 42 ] ، ولأنهما كافران فلم يجب الحكم بينهما كالمستأمنين ، وعنه : يلزمه الحكم والإعداء ، قدمه في " المحرر " لقوله تعالى : وأن احكم بينهم بما أنزل الله [ المائدة : 49 ] . ورفع الظلم عنهم واجب ، وطريقه الحكم . وعنه : مع اختلاف ملتهما ؛ لأنه لا يمكن إنصاف أحدهما من الآخر بدون الحكم ، وعنه : يخير إلا أن يتظالما في حقوق الآدميين . قال في " المحرر " : وهو الأصح عندي ؛ لأن عليه رفع الظلم عنهم كالمسلمين ، ومتى خيرناه ، جاز أن يعدي ويحكم بطلب أحدهما . وعنه : لا يجوز إلا باتفاقهما كالمستأمنين . ( ولا يحكم إلا بحكم الإسلام ) لقوله تعالى : وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط [ المائدة : 42 ] فإذا حكم ، لزمهم حكمنا لا شريعتنا . وظاهره أنهم إذا لم يتحاكموا إلينا ، فليس للحاكم أن يتبع شيئا من أمورهم ، ولا يدعون إلى حكمنا ، نص على الكل .
فرع : لا يحضر يهوديا يوم سبت ، ذكره ابن عقيل أي لبقاء تحريمه عليه ، وفيه وجهان ، أو مطلقا ، لضرره بإفساد سبته ، وقال ابن عقيل : يحتمل أن [ ص: 430 ] السبت مستثنى من عمل في إجارة . ( وإن تبايعوا بيوعا ) أو تعاقدوا عقودا ( فاسدة ) كخمر ونحوه ( وتقابضوا ) من الطرفين ، ثم أسلموا ، أو أتونا ( لم ينقض فعلهم ) لأنه قد تم بالتقابض ، ولأنه فيه مشقة وتنفير من الإسلام بتقدير إرادته . ( وإن لم يتقابضوا ) سواء كان من الطرفين أو أحدهما ( فسخه ) لأنه لم يتم فينقض لعدم صحته . ( سواء كان قد حكم بينهم حاكمهم أم لا ) أي : لو ترافعوا إلى حاكمهم فألزمهم بالتقابض ، لا يلزم إمضاء حكمه ؛ لأنه لغو ، لعدم شرطه وهو الإسلام . وقيل : إن ارتفعوا بعد أن ألزمهم حاكمهم بالقبض ، نفذ ، وهذا لالتزامهم بحكمه لا لزومه لهم . وعنه : لا ينقض في الخمر خاصة إذا قبضت دون ثمنها ؛ لأنها مال بالنسبة إليهم ، فيصح بيعها كالأمتعة ، فيلزم المشتري دفعه إلى البائع ، أو وارثه ، بخلاف خنزير لحرمة عينه ، فإن أسلم الوارث ، فله الثمن ، قاله في " المستوعب " وغيره ، لثبوته قبل إسلامه . ونقله أبو داود .
مسألة : إذا كان لذمي على مثله خمر بقرض أو غصب ، فأيهما أسلم فلا شيء له بها ، نص عليه ؛ لأنه إن كان ربها لم يكن له أخذها عليه ، وإن كان الآخر ، سقطت من ذمته ، لعدم ماليتها بالنسبة إلى المسلم ، وقيل : إذا لم يسلم ربها ، فله قيمتها ؛ لأنها مال كان ثابتا في ذمته قبل الإسلام ، فلا يسقط به كغيره من الديون ، ولو كانت عليه من مسلم لم يكن لربها إلا رأس ماله .
أخرى : إذا تبايعوا بربا في أسواقنا منعوا منه ؛ لأنه عائد بفساد نقدنا ؛ وكذا إن أظهروا بيع مأكول في نهار رمضان ، كشراء . ذكره القاضي ، وأنه لا يجوز أن يتعلموا الرمي .
[ ص: 431 ] ( وإن تهود نصراني أو تنصر يهودي ، لم يقر ، ولا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه ) هذا إحدى الروايات . وجزم به في " الوجيز " ؛ لأن الإسلام دين حق ، والدين الذي كان عليه دين صولح عليه ، فلم يقبل منه غيرهما ؛ لاعترافه بأن ما انتقل إليه دين باطل ، فلم يقر عليه ، أشبه ما لو انتقل إلى المجوسية . ( ويحتمل أن لا يقبل منه إلا الإسلام ) هذا رواية ؛ لأن الدين الذي كان عليه قد اعترف ببطلانه ، والدين الذي انتقل إليه كان معترفا ببطلانه ، فلم يبق غير الإسلام ، فيجبر عليه ؛ ( فإن أبى ) من فعل الواجب عليه ( هدد وحبس ) ولم يقتل في ظاهر المذهب ؛ لأنه لم يخرج عن دين أهل الكتاب فلم يقتل كالباقي على دينه . ( ويحتمل أن يقتل ) هذا رواية لعموم قوله - عليه السلام - nindex.php?page=hadith&LINKID=10339931من بدل دينه فاقتلوه ولأنه انتقل إلى دين لا يقر عليه ، أشبه المسلم إذا ارتد . وفى استتابته وجهان ( وعنه : أنه يقر ) هذا ظاهر الخرقي ، واختاره الخلال وصاحبه ؛ لأنه دين أهل الكتاب فأقر عليه كأهله .
فرع : إذا كذب نصراني بموسى ، خرج من النصرانية ، لتكذيبه عيسى . ولم يقر ، ولا يهودي بعيسى ، وإن تزندق الذمي ، لم يقتل لأجل الجزية ، نقله ابن هانئ ( وإن انتقل الكتابي إلى غير دين أهل الكتاب ، أو انتقل المجوسي إلى غير دين أهل الكتاب ، لم يقر ) لأنه انتقل إلى دين لا يقر عليه بالجزية كعبدة الأوثان ( وأمر أن يسلم ) لأن كل أحد مأمور بذلك ، لا سيما من لا كتاب له ، ولا شبهة [ ص: 432 ] كتاب ، والمنصوص ، واختاره الخلال وصاحبه : أنه لا يقبل منه إلا الإسلام ؛ لأن غيره أديان باطلة فلم يقر عليه لإقراره ببطلانها ، كالمرتد . ( فإن أبى قتل ) لأنه انتقل إلى أدنى من دينه ، وعنه : لا يقبل منه إلا الإسلام ، أو الدين الذي كان عليه ؛ لأنه أقر عليه أولا ، ولم ينتقل إلى خير منه ، فنقره إن رجع إليه . وفى ثالثة : أو دين أهل كتاب ؛ لأنه دين يقر عليه كغيره .
( وإن انتقل غير الكتابي ) كالمجوسي ( إلى دين أهل الكتاب ) أقر على المذهب ؛ لأنه أعلى وأكمل من دينه لكونه يقر عليه أهله ، وتؤكل ذبائحهم ، وتحل مناكحتهم . ( ويحتمل أن لا يقبل منه إلا الإسلام ) هذا رواية ؛ لأنه أقر ببطلان دينه بعد أن كان مقرا ببطلان ما سواه . وفى ثالثة : لا يقبل منه إلا الإسلام أو الدين الذي كان عليه ، لما تقدم . ( وإن تمجس الوثني ، فهل يقر ؛ على روايتين ) .
إحداهما : يقر ، وذكر في " الشرح " أنها الأولى ؛ لأنه انتقل إلى دين أفضل من دينه ، أشبه الوثني إذا تهود .
الثانية : لا يقر ؛ لأنه انتقل إلى دين لا تحل ذبائحهم ، ولا تنكح نساؤهم ، أشبه ما لو انتقل إلى عبادة الشمس ، والفرق ظاهر .