فصل الرابع : أن يشترط أجلا معلوما له وقع الثمن كالشهر ونحوه ، فإن أسلم حالا ، أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه ، لم يصح إلا أن يسلم في شيء يأخذ فيه كل يوم أجزاء معلومة ، فيصح وإن أسلم في جنس إلى أجلين ، أو في جنسين إلى أجل صح ، ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم فإن أسلم إلى الحصاد ، أو الجداد ، أو شرط الخيار إليه ، فعلى روايتين ، وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه ، وإلا فلا .
فصل
( الرابع : أن يشترط أجلا معلوما ) نقله الجماعة لأمره عليه السلام بالأجل كالكيل ، والوزن ، ولأنه أمر بها تبيينا لشروط السلم ومنعا منه بدونها بدليل [ ص: 189 ] أنه لا يصح إذا انتفى الكيل ، أو الوزن ، ولأنه إنما جاز رخصة للمرفق ، ولا يحصل إلا بالأجل ، إذ الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه ( له وقع في الثمن ) عادة . قاله الأصحاب ( كالشهر ) كذا قدره غيره به ونقله في " الواضح " عن أصحابنا ، وليس هذا في كلام أحمد واحتج أصحابنا بأن الأصل أنه لا يجوز السلم ؛ لأنه باع مجهولا لا يملكه يتعذر تسليمه فرخص فيه لحاجة المفلس ، ولا حاجة مع القدرة قال في " الفروع " : وهذا إنما يدل على اعتباره الأجل في الجملة مع أنه قال في " عيون المسائل " : هو معتمد المسألة وسرها ، والأولى أن يقال إن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم ، فلا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن ( ونحوه ) ، وفي " الكافي " كنصفه ، وفي " الشرح " ، وما قارب الشهر ( فإن أسلم حالا ) لم يصح لحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وعنه : يصح حالا ، ذكرها القاضي ، وأبو الخطاب وأومأ إليه في رواية أبي طالب أهل المدينة يقولون لا يحتاج إلى مدة ، وهو قياس ، ولكن إلى أجل أحب إلي وهي مع بقية النصوص تدل على الأجل القريب ، لكن إن وقع بلفظ البيع ، صح حالا قال القاضي : ويجوز التفرق قبل قبض رأس المال ؛ لأنه بيع ، ويحتمل أن لا يصح ؛ لأنه بيع دين بدين ، ذكره في " الكافي " ( أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح ) لفوات شرطه ، وهو أن مثل ذلك لا وقع له في الثمن ، وعنه : أن الأجل شرط ، ولو كان يوما ذكرها القاضي ، وقيل : لا يصح إلى شهر ( إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة ، فيصح ) [ ص: 190 ] نص عليه في رواية الأثرم ، إذ الحاجة داعية إلى ذلك ، وظاهره التعميم في كل ما يصح السلم فيه ، وقال أبو الخطاب : فإن أسلم في لحم ، أو خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة جاز ، نص عليه ، فظاهره اختصاص الجواز بهما ونصره ابن المنجا ، فعلى ما ذكرنا إذا قبض البعض وتعذر قبض الباقي رجع بقسطه من الثمن ، ولا يجعل الباقي فضلا على المقبوض لتماثل أجزائه فيقسط الثمن بالسوية ، كما إذا بين أجله ، وقيل : يصح إن بين قسط كل أجل وثمنه ( وإن أسلم في جنس إلى أجلين ) صح ؛ لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال كبيوع الأعيان ( أو في جنسين إلى أجل ، صح ) كالبيع ( ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم ) ، فعلى هذا يسلم إلى وقت يعلم بالأهلة نحو أول الشهر وأوسطه وآخره وآخر يوم منه معين لقوله تعالى : يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج [ البقرة : 189 ] ، ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك ، فلو جعله إلى شهر رمضان تعلق بأوله ، وكذا إن قال : محله شهر كذا يصح ، وقيل : لا ، ولو قال : إلى ثلاثة أشهر كان إلى انقضائها ، فإن كانت مبهمة كان ابتداؤها حين تلفظه بها ، وإن قال : إلى شهر كذا انصرف إلى الهلالي ما لم يكن في أثنائه ، فإنه يعمل بالعدد ، فإن علقه باسم يتناول شيئين كربيع وجمادى ، والعيد انصرف إلى أولهما ، قطع به في " المغني " و " الشرح " ، وقيل : لا يصح ، وهو الذي أورده في " التلخيص " مذهبا ويدخل في كلامه ما إذا عين الوقت كعيد الفطر ، أو يوم عرفة للعلم به ، فإن كان معلوما بغير الأهلة وكان مما يعرفه المسلمون كشباط ، أو عيدا لا يختلف فيه كالنيروز ، والمهرجان ، صح ، ذكره [ ص: 191 ] في " المغني " ، و " الشرح " ؛ لأنه معلوم أشبه عيد المسلمين وظاهر الخرقي ، وابن أبي موسى لا ، كما لو أسلم إلى السعانين وعيد الفطير مما يجهله المسلمون غالبا ، ولا يجوز تقليد أهل الذمة فيه ، وظاهره أن الأجل إذا لم يكن معلوما عند المتعاقدين ، أو أحدهما لا يصح للجهالة ( فإن أسلم إلى الحصاد ، أو الجداد ، أو شرط الخيار إليه ، فعلى روايتين ) المذهب أنه لا يصح أن يؤجل إلى الحصاد ، والجداد لقول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا تتبايعوا إلى الحصاد ، والدياس ، ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ، ولأنه يختلف ، فلم يجز أن يكون أجلا كقدوم زيد ، لا يقال : قد روي عن عائشة nindex.php?page=hadith&LINKID=10340054أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث إلى يهودي أن ابعث إلي ثوبين إلى الميسرة ، لأنه رواه حرمي بن عمارة قال أحمد : فيه غفلة ، وهو صدوق ، وقال ابن المنذر أخاف أن يكون من غفلانه حيث لم يتابع عليه ، ثم لا خلاف أنه لا يصلح للأجل ، والثانية : يجوز ، روي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء ، وهو محمول على وقت العطاء لا فعله ، فإن نفس العطاء يتقدم ويتأخر فهو مجهول قال في " الشرح " : ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتقارب أشبه الحصاد ، ولأنه اختلاف يسير ، فلم يؤثر كرأس السنة ، وعلم منه وجه الروايتين فيما إذا كان الخيار في البيع إليهما .
فرع : يقبل قول المسلم إليه مع يمينه في الأشهر في اشتراط الأجل ، وقدره وبقائه وفراغه ( وإذا جاءه بالسلم ) أي : المسلم فيه يطلق ويراد به المفعول ، كما يعبر عن السرقة بالمسروق وبالرهن عن المرهون ( قبل محله ) [ ص: 192 ] بكسر الحاء ( ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه ) ؛ لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجيل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة ، وهذا فيما لا يتغير كالحديد ، والنحاس ، ولا يختلف قديمه وحديثه كالزيت ، والعسل ( وإلا فلا ) أي : إذا أحضره قبل الأجل ، وفي قبضه ضرر لا يلزمه قبضه ، وهو صادق بصور إما لكونه مما يتغير كالفاكهة ، والأطعمة ، أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب ؛ لأن له غرضا في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله ، أو إطعامه في ذلك الوقت ، وإن كان حيوانا لم يأمن تلفه ويحتاج إلى نفعه ، وكذا ما يحتاج في حفظه إلى مؤنة كالقطن ، أو كان الوقت مخوفا فهو كنقص صفة فيه ، وفي " الروضة " إن كان مما يتلف ، أو يتغير قديمه وحديثه لزمه قبضه ، وإلا فلا ، وهذا خلاف ما جزم به الأكثر ، وعلم منه أنه إذا أحضره في محله لزمه قبضه مطلقا كالمبيع المعين ، فإن امتنع من قبضه قيل له : إما أن تقبض ، أو تبري ، فإن أصر برئ ، ذكره في " المغني " في المكفول به ، والأشهر يرفعه إلى الحاكم فينوب عنه في قبضه لا إبرائه ؛ لأن قبض الحاكم كقبض المالك ، وهذا فيما إذا أتاه بالمسلم فيه على صفته .
فرع : حكم كل دين لم يحل إذا أتى به كذلك ، ونقل بكر وحنبل في دين الكتابة لا يلزمه ، ذكرها جماعة ؛ لأنه قد يعجز فيرق ، ولأن بقاءه في ملكه حق له لم يرض بزواله ومن أراد قضاء دين عن غيره فلم يرض رب الدين ، أو أعسر بنفقة زوجته فبذلها أجنبي لم يجبر رب الدين ، والزوجة .