ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها إلا أن يضمن التعدي فيها فأما الأعيان المضمونة كالغصوب ، والعواري والمقبوض على وجه السوم ، فيصح ضمانها وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشيء ، وإن نوى الرجوع وكان الضمان ، والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع على روايتين ، وإن أذن في أحدهما فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى ، أو قدر الدين وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقه أو كذبه ، وإن اعترف بالقضاء ، وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل ، وإن مات المضمون عنه ، أو الضامن فهل يحل الدين عليه على روايتين وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر .
( ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها ) كالعين المؤجرة ، والشركة ، لأنها غير مضمونة على صاحب اليد ، فكذا على ضامنه ، وفي " عيون المسائل " : لأنه لا يلزمه إحضارها ، وإنما على المالك أن يقصد الموضع فيقبضها ( إلا أن يضمن التعدي فيها ) ، فيصح ضمانها في ظاهر كلام أحمد ، لأنها مضمونة على من هي في يده أشبهت الغصوب ، وعنه : صحة ضمانها مطلقا وحملها الأصحاب على تعديه لتصريحه به ( وأما الأعيان المضمونة كالغصوب ، والعواري ، والمقبوض على وجه السوم ) من بيع وإجارة ( فيصح ضمانها ) جزم به الأصحاب ؛ لأنها مضمونة على من هي في يده كالحقوق الثابتة في الذمة ، وعنه : لا ؛ لأن الأعيان غير ثابتة في الذمة ، والضمان لما يثبت فيها ، وغايته أنه يلزمه قيمتها عند التلف وهي مجهولة ، وجوابه أن الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها ، وردها أو قيمتها عند تلفها فهي كعهدة المبيع ، فالمقبوض على وجه السوم بأن ساومه وقطع ثمنه ، أو ساومه فقط ليريه أهله إن رضوه ، وإلا رده .
فروع : يصح ضمان الجعل في الجعالة ، والمسابقة ، والمفاضلة ، وأرش الجناية نقدا كقيم المتلفات ، أو حيوانا كالديات ونفقة الزوج سواء كانت يومها ، أو مستقبلة ؛ لأن نفقة اليوم واجبة ، والمستقبلة مآلها إلى اللزوم ويلزمه ما يلزم الزوج في قياس المذهب ، وقال القاضي : إذا ضمن النفقة المستقبلة لزمه نفقة المعسر [ ص: 257 ] لأن الزيادة على ذلك تسقط بالإعسار ، فأما الماضية ، فإن كانت واجبة ، صح ضمانها ، وإلا فلا .
( وإن قضى الضامن الدين ) ، أو أحال به ( متبرعا لم يرجع بشيء ) ، لأنه متطوع بذلك ، أشبه الصدقة وسواء ضمن بإذنه ، أو لا ( وإن نوى الرجوع ) ، وقيل : أو أطلق ، وهو ظاهر نقل ابن منصور ( وكان الضمان ، والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع ؛ على روايتين ) إحداهما : وهي المذهب يرجع به ، لأنه قضاء مبرئ من دين واجب عليه فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه ، والثانية : لا رجوع ، لأنه بغير إذن ، ولو استحق الرجوع لاستحقه nindex.php?page=showalam&ids=60أبو قتادة ، ولو استحقه صار دينا له على الميت ، ولو كان كذلك لامتنع من الصلاة وكما لو علف دابته بغير إذن ، وأجاب في " المغني " ، و " الشرح " بأنه تبرع بالضمان والقضاء قصدا لتبرئة ذمته ليصلي عليه السلام عليه مع علمه بأنه لم يترك وفاء ، وعلم منه أنه إذا ضمن بأمره وقضى بأمره أنه يرجع قال في " المغني " ، و " الشرح " : سواء قال اضمن عني وأد عني ، أو أطلق ، لأنه ضمن ودفع بأمره ، أشبه ما لو كان مخالطا له .
فرع : حكم من أدى عن غيره دينا واجبا كذلك في الرجوع إلا فيما يفتقر إلى نية كالزكاة ونحوها ( وإن أذن في أحدهما ) وهي صورتان أحدهما : أن [ ص: 258 ] يضمن بأمره ويقضي بغير أمره ، فله الرجوع ، لأنه لما ضمن بإذنه تضمن ذلك القضاء ، لأنه يجب عليه الأداء ، أشبه ما لو أذن فيه صريحا ، والثانية : عكسها ، وهو أن يضمن بغير إذنه ويؤدي بأمره فكذلك ، لأنه أدى دينه بأمره فرجع عليه ، أشبه ما لو لم يكن ضامنا ، وعنه : لا رجوع فيهما ، اختاره أبو محمد الجوزي . قال ابن عقيل : يظهر فيها كذبح أضحية غيره بلا إذنه في منع الضمان والرجوع ، لأن القضاء هنا إبراء لتحصيله الإجزاء بالذبح وحيث قيل به ( فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى ، أو قدر الدين ) ، لأنه إن كان الأقل الدين لزائد لم يكن واجبا عليه فهو متبرع بأدائه ، وإن كان المقضي أقل إنما يرجع بما غرم ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشيء ، فإن دفع عن الدين عرضا رجع بأقل الأمرين من قيمته ، أو قدر الدين .
فرع : لو تغيب مضمون عنه قادر . قاله الشيخ تقي الدين وأطلقه في موضع آخر فأمسك الضامن وغرم شيئا بسبب ذلك ، وأنفقه في حبس ، رجع به على المضمون عنه .
تنبيه : إذا كان على رجلين مائة على كل واحد منهما نصفها وهما متضامنان ، فضمن آخر عن أحدهما المائة بأمره وقضاها سقط الحق عن الجميع وله الرجوع بها على الذي ضمن عنه ، ولم يكن له أن يرجع على الآخر بشيء في إحدى الروايتين ، لأنه لم يضمن عنه ، ولا أذن له في القضاء ، فإذا رجع على الذي ضمن عنه رجع على الآخر بنصفها إن كان ضمن عنه بإذنه ، لأنه ضمنها عنه بإذنه وقضاها ضامنه ، والثانية : له الرجوع على الآخر بالمائة [ ص: 259 ] لأنها وجبت له على من أداها عنه فملك الرجوع بها عليه كالأصيل ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " .
( وإن أنكر المضمون له القضاء ) أي : إذا ادعى الضامن أنه قضى الدين ، وأنكر المضمون له ، ولا بينة ( وحلف ، لم يرجع الضامن على المضمون عنه ) ، لأنه ما أذن للضامن إلا في قضاء مبرئ ، ولم يوجد ، وحينئذ القول قول المضمون له ، لأنه منكر وله مطالبة الضامن ، والأصيل ( سواء صدقه ) المضمون عنه ( أو كذبه ) ، لأن المانع من الرجوع تفريط الضامن من حيث إنه قضى بغير بينة وذلك مشترك بين التصديق ، والتكذيب ، ثم اعلم : إن كان القضاء ببينة عادلة حاضرة فواضح ، وكذا إن كانت ميتة ، أو غائبة وصدقه ، لأنه معترف أنه ما قضى ، ولا فرط ، وإن كانت مردودة بأمر ظاهر كالكفر ، والفسق الظاهر لم يرجع الضامن مطلقا لتفريطه ، فإن ردت بأمر خفي كالفسق الباطن ، أو لكون الشهادة مختلفا فيها كشهادة العبيد فاحتمالان ، وكذا شاهد واحد ودعواه موتهم ، وأنكر الإشهاد ، وإن قضاه بغير بينة بحضرة المضمون عنه فالأصح أنه يرجع ، لأنه هو المفرط ، والثاني : لا كغيبته .
فرع : إذا رجع المضمون له على الضامن فاستوفى منه مرة ثانية رجع على المضمون عنه بما قضاه ثانيا لبراءة ذمته به ظاهرا . قاله القاضي ورجحه في " الشرح " ، وفيه احتمال : يرجع بالأول للبراءة منه باطنا .
( وإن اعترف ) المضمون له ( بالقضاء ، وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره ) ، لأن [ ص: 260 ] ما في ذمته حق للمضمون له ، فإذا اعترف بالقبض من الضامن ، فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن ، فيجب أن يقبل إقراره لكونه إقرارا في حق نفسه ، وفيه وجه : لا ، لأن الضامن مدع لما يستحق به الرجوع على المديون ، وقول المضمون له شهادة على فعل نفسه ، فلا يقبل ، وأجيب بالتزامه .
فرع : إذا قال المضمون له للضامن : برئت إلي من الدين ، وقيل : أو لم يقل إلي ، فهو مقر بقبضه لا أبرأتك ، فلو قال : وهبتك الحق تمليك له ، فيرجع على المديون ، وقيل : إبراء ، فلا .
( وإن قضى ) الضامن الدين ( المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل ) ، لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ، ولأنه متبرع بالتعجيل ، فلم يرجع قبل الأجل ، كما لو قضاه أكثر من الدين ، والحوالة به ليقبضه ، سواء قبض الغريم من المحال عليه ، أو تعذر عليه الاستيفاء ( وإن مات المضمون عنه ، أو الضامن فهل يحل الدين ؛ على روايتين ) أشهرهما لا يحل ، لأن التأجيل حق من حقوق الميت ، فلم يبطل بموته كسائر حقوقه بشرطه . قاله في " الوجيز " ، والثانية : يحل ، لأن ذمة الميت خربت به ، فلو لم يحل لأدى إلى ضياع حقه ( وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر ) أي : إذا مات المضمون عنه وقلنا : يحل بموته لم يحل على الضامن ، لأن الإنسان لا يحل عليه دين بموت غيره بل يبقى حالا بالنسبة إلى الأصل مؤجلا بالنسبة إلى الفرع ، وكذا إذا مات الضامن ، لكن إذا استوفى الغريم من تركته لم يكن لورثته مطالبة المضمون عنه حتى يحل الحق ، لأنه مؤجل عليه ، فلا يستحق مطالبته قبل أجله .