النوع الثاني : أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة ، فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف ، وإن كان بغير الأثمان فهو بيع ، وإن كان بمنفعة كسكنى دار فهو إجارة تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات ، وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها ، صح ، فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهرها ، وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة ، لم يجز التفرق قبل القبض ، لأنه بيع دين بدين ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة .
( النوع الثاني ) من صلح الإقرار ( أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة ) ، كما لو اعترف له بعين في يده ، أو دين في ذمته ، ثم يعوضه عنه بما يجوز تعويضه ، وهو ينقسم إلى أقسام نبه عليها بقوله : ( فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف ) ، لأنه بيع أحد النقدين بالآخر فيشترط له القبض في المجلس ونحوه ( وإن كان بغير الأثمان فهو بيع ) ، لأنه مبادلة المال بالمال ، وهو موجود هنا ، وفيه شيء ولو قال : ( بعرض فبيع ) لكان أولى ، فعلى هذا يشترط فيه العلم به كالمبيع ويصح بلفظ الصلح في ظاهر كلامه ، وهو المذهب .
مسألتان : الأولى : إذا صالحه على أن يزوجه أمته ، صح بشرطه وكان المصالح عنها صداقها ، فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه ، وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه .
الثانية : إذا صالحه بخدمة عبد سنة ، صح وكانت إجارة ، فإن أعتق العبد في أثناء المدة ، صح عتقه وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة ، ولا يرجع العبد على سيده بشيء ، لأنه ما أزال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة ، والمنافع حينئذ مملوكة لغيره ، ولأنه أعتقه مسلوب المنفعة ، فلم يرجع بشيء ، كما لو أعتق زمنا ، أو أمة مزوجة ، وقيل : يرجع على سيده بأجرة مثله .
( وإن صالحت المرأة ) أي : بعد اعترافها له بدين ، أو عين ( بتزويج نفسها ، صح ) ، ويكون صداقا لها ، لأن عقد التزويج يقتضي عوضا ، فإذا جعلت ذلك عوضا عن الحق الذي عليها ، صح كغيره ( فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها [ ص: 284 ] فتبين أنه ليس بعيب ) كبياض في عين الرقيق ظنه عمى ، وانتفاخ بطن الأمة يظنها حاملا ( رجعت بأرشه ) أي : بأرش العيب ، لأنه صداقها ( لا بمهرها ) أي : مهر مثلها ، وحينئذ مهرها أرشه ، صرح به في " المحرر " ، و " الفروع " ، فعلى هذا إن كان موجودا ، ثم زال كمبيع كان مريضا فعوفي لا شيء لها ، لأن زوال العيب بعد ثبوته حال العقد لا يوجب بطلان الأرش لا يقال : قياس ما تقدم في المصراة أنه إذا صار لبنها عادة وطلقت المزوجة يمتنع الرد ، فإذا زال العيب تعين أن لا أرش ، لأن الرد فسخ للملك بسبب العيب فيستدعي مردودا بخلاف الأرش ، فإنه عوض عما فات من العيب ، فلم يسقط وقت العقد بزواله بعده ( وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض ، لأنه بيع دين بدين ) ، وهو منهي عنه شرعا ، ولأنه إذا حصل التفرق قبل القبض كان كل واحد من العوضين دينا ، لأن محله الذمة ( ويصح الصلح عن المجهول ) عينا كان ، أو دينا سواء جهلاه ، أو جهله من عليه الحق ( بمعلوم ) ، نص عليه بنقد ونسيئة بشرط ( إذا كان مما لا يمكن معرفته ) أي : يتعذر علمه . قال أحمد في الرجل يصالح عن الشيء : فإن علم أنه أكثر منه لم يجز إلا أن يوقفه إلا أن يكون مجهولا لا يدرى nindex.php?page=hadith&LINKID=10340075لقوله عليه السلام لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما : استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه . رواه أحمد ، وأبو داود ، ولأنه إسقاط حق ، فصح في المجهول كالعتاق ، والطلاق ( للحاجة ) ، ولأنه إذا صالح مع العلم وإمكان أداء الحق بعينه فلأن يصح مع الجهل أولى ، ولو قيل بعدم جوازه لأفضى إلى ضياع الحق ، ولا نسلم أنه فرع البيع ، فإن البيع يصح في المجهول عند الحاجة كأساسات الحائط وطي [ ص: 285 ] البئر ، وظاهره أنه إذا كان الصلح بمجهول أنه لا يصح ، لأن تسليمه واجب ، والجهالة تمنعه ، وإن لم يتعذر علمه فكبراءة من مجهول ، وظاهر نصوصه أنه لا يصح ، وهو ظاهر ما جزم به في " الإرشاد " وقطع به الشيخان ، و " الشرح " لعدم الحاجة قال أحمد : إن صولحت المرأة من ثمنها لم يصح الصلح واحتج بقول شريح ، ولأن المبيح للصلح الحاجة وهي منتفية هنا ، فلم يصح كالبيع وخرج في " التعليق " ، و " الانتصار " في صلح المجهول ، والإنكار من البراءة من المجهول عدم الصحة وخرجه في " التبصرة " من الإبراء من عيب لم يعلما به ، وقيل : لا يصح عن أعيان مجهولة لكونه إبراء وهي لا تقبل .