والوكالة عقد جائز من الطرفين لكل منهما فسخها وتبطل بالموت ، والجنون ، والحجر للسفيه ، وكذلك كل عقد جائز كالشركة ، والمضاربة ، ولا تبطل بالسكر والإغماء ، والتعدي ، وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه ، على روايتين .
( والوكالة عقد جائز من الطرفين ) ، لأنها من جهة الموكل إذن ومن جهة الوكيل بدل نفع وكلاهما جائز ( لكل واحد منهما فسخها ) أي : متى شاء ، لأنها [ ص: 363 ] إذن في التصرف فملكه كالإذن في أكل طعامه ، وإن قال : كلما عزلتك فقد وكلتك ، انعزل بكلما وكلتك فقد عزلتك وهي الوكالة الدورية ، قال في " التلخيص " : وهي على أصلنا صحيحة في صحة " التعليق " وصورتها أن تقول كلما عزلتك فأنت وكيلي ، وطريقه في العزل أن يقول : كلما عدت وكيلي فقد عزلتك وهي فسخ معلق بشرط ، وقال الشيخ تقي الدين : لا يصح ، لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة وذلك تغيير لقاعدة الشرع ، وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ ، وإنما الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه ، والعقود لا تفسخ قبل انعقادها ( وتبطل بالموت ، والجنون ) المطبق ، وفيه وجه ، وهو ظاهر " الوجيز " ( والحجر للسفه ) ، لأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل وعدم الحجر ، فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها لانتفاء ما يعتمد عليه ، وهو أهلية التصرف ، وظاهره أن الحجر لفلس لا يبطلها ، وصرح به في " المغني " ، و " الشرح " ، لأن الوكيل لم يخرج عن أهلية التصرف ، لكن إن حجر على الموكل ، فإن كانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه فيها ، وإن كانت في غيرها ، فلا وتبطل أيضا في طلاق الزوجة بوطئها ، وفي عتق العبد بكتابته وتدبيره ، ذكره في " المحرر " ( وكذلك كل عقد جائز كالشركة ، والمضاربة ) ، لأن الكل مشترك معنى ، فوجب أن يساويه حكما .
( ولا تبطل بالسكر ) ، لأنه لا يخرجه عن أهلية التصرف ، فإن فسق به بطلت فيما ينافيه كالإيجاب في النكاح لخروجه عن أهلية التصرف بخلاف الوكيل في القبول ، فإنه لا ينعزل بفسق موكله ، ولا بفسقه في الأشهر ، لأنه يجوز أن [ ص: 364 ] يقبل لنفسه فجاز لغيره كالعدل ، لكن إن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف انعزل بفسقه وفسق موكله ( والإغماء ) ، لأنه لا تثبت عليه الولاية ، وكذا النوم ، وإن خرج عن أهلية التصرف و ( التعدي ) أي : تعدي الوكيل كلبس الثوب وركوب الدابة ، لأن الوكالة اقتضت الأمانة والإذن ، فإذا زالت الأولى بالتعدي بقي الإذن بحاله ، والوجه الثاني : أنها تبطل به ، لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدي كالوديعة ، ورد بالفرق ، فإن الوديعة مجرد أمانة فنافاها التعدي بخلاف الوكالة ، فإنها إذن في التصرف وتضمنت الأمانة وأطلقهما في " المحرر " ، و " الفروع " ، فعلى الأول : يصير ضامنا ، فإذا تصرف كما قال موكله ، صح وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشتري وضمانه ، ويصير الثمن في يده أمانة ، فإذا اشترى شيئا وظهر به عيب صار مضمونا عليه ، لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به ( وهل تبطل بالردة وحرية عبده ؛ على وجهين ) أحدهما : وجزم به في " الوجيز " أنها لا تبطل بالردة ، لأنها لا تمنع ابتداء الوكالة ، فكذا لا تمنع استدامتها كسائر الكفر وسواء لحق بدار الحرب أو لا ، والثاني : تبطل بها إذا قلنا يزول ملكه ويبطل تصرفه ، والوكالة تصرف ، وفي " المغني " إن كانت من الوكيل لم تبطل ، لأن ردته لا تؤثر في تصرفه ، وإنما تؤثر في ماله ، وإن كانت من الموكل فوجهان مبنيان على صحة تصرف المرتد في ماله ، وفي " الشرح " إنها لا تبطل بردة الموكل فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله فينبني على صحة تصرف نفسه ، فإن قلنا : يصح تصرفه لم تبطل ، وإن قلنا : هو موقوف فهي كذلك ، وإن قلنا : يبطل تصرفه بطلت ، فإن كانت حال ردته فالأوجه .
[ ص: 365 ] الثانية : إذا وكل عبده ، ثم أعتقه لم تبطل قدمه في " الشرح " ، وصححه ، وجزم به في " الوجيز " ، لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة ، فلا يمنع استدامتها وكإباقه ، والثاني : بلى ، لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة ، وإنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك ، وكذا الخلاف فيما إذا باعه ، أو وكل عبد غيره ، ثم باعه سيده ، فلو اشتراه الموكل منه لم تبطل ، لأن ملكه إياه لا ينافي إذنه له في البيع والشراء ، وكذا الخلاف فيما إذا وكل عبد غيره ، ثم أعتقه ، وفي " المغني " أنها لا تبطل وجها واحدا ، لأن هذا توكيل في الحقيقة ، والعتق غير مناف ، وفي جحدها من أحدهما ، وقيل : عمدا - وجهان ، والأشهر فيهن أنها لا تبطل .
تنبيه : تبطل بتلف العين الموكل في التصرف فيها ، لأن محلها قد ذهب ، فلو وكله في الشراء مطلقا ونفد ما دفعه إليه بطلت ، لأنه إنما وكله في الشراء به ، وإن استقرضه الوكيل فهو كتلفه ، ولو عزل عوضه ، لأنه لا يصير للموكل حتى يقبضه .
( وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه ؛ على روايتين ) لا خلاف أن الوكيل إذا علم بموت الموكل ، أو عزله أن تصرفه باطل ، وإن لم يعلم فاختار الأكثر - وذكر الشيخ تقي الدين أنه الأشهر - أن تصرفه غير نافذ ، لأنه رفع عقد لا يفتقر إلى رضا صاحبه ، فصح بغير علمه كالطلاق ، والثانية : ونص عليها في رواية ابن منصور ، وغيره أنه لا ينعزل اعتمادا على أن الحكم لا يثبت في حقه قبل العلم [ ص: 366 ] كالأحكام المبتدأة ولقوله تعالى : فمن جاءه موعظة [ البقرة : 275 ] الآية وينبني عليهما تضمينه ، واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يضمن ، لأنه لم يفرط ، وذكر وجها أنه ينعزل بالموت لا بالعزل ، وقاله جمع من العلماء .
واعلم أن القاضي ، والمؤلف وجماعة يجعلون الخلاف في نفس انفساخ الوكالة قبل العلم وظاهر الخرقي ، و " الشرح " ، وكلام المجد يجعلونه في نفوذ التصرف ، وهو أوفق لمنصوص أحمد ، وليس بينهما فرق في " المغني " ولهذا قال الشيخ تقي الدين : هو لفظي ، وذكر أنه لو باع ، أو تصرف فادعى أنه عزله قبله لم يقبل ، فلو أقام بينة ببلد آخر وحكم به حاكم ، فإن لم ينعزل قبل العلم ، صح تصرفه ، وإلا كان حكما على الغائب ، ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم ، فإن كان بلغه ذلك نفذ ، والحكم الناقض له مردود ، وإلا وجوده كعدمه ، والحاكم الثاني إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم ، أو علم ، ولم يره ، أو رآه ، ولم ير نقض الحكم المتقدم فحكمه كعدمه .
فرع : لا ينعزل مودع قبل علمه خلافا لأبي الخطاب فما بيده أمانة . ومثله مضارب .