ولا تصح إلا بشرطين ، أحدهما : أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير وعنه : تصح بالعروض ، ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد ، وهل تصح بالمغشوش والفلوس ؛ على وجهين . الثاني : أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح مشاعا معلوما ، فإن قالا : الربح بيننا فهو بينهما نصفين ، فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لأحدهما جزءا مجهولا أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح ، وكذلك الحكم في المساقاة ، والمزارعة ، ولا يشترط أن يخلطا المالين ولا أن يكونا من جنس واحد ، وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما ، وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما ، والوضيعة على قدر المال
( ولا تصح إلا بشرطين ، أحدهما : أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير ) فتصح بغير خلاف إذا كانت غير مغشوشة ; لأنها قيم الأموال ، وأثمان البياعات ، ولم يزل الناس يشتركون فيها في كل عصر [ ص: 5 ] من غير نكير فلا تصح بالعروض على المذهب ; لأن الشركة بها إما أن تقع على أعيانها ، أو على قيمتها ، أو على ثمنها ، وكل ذلك لا يجوز ، أما الأول ، فلأن العقد يقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال ، ولا مثل له ، فيرجع به ، وأما الثاني ، فلأن القيمة قد تزيد بحيث يستوعب جميع الربح ، وقد تنقص بحيث يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح مع أن القيمة غير متحققة المقدار ، فيفضي إلى التنازع ، وأما الثالث ، فلأن الثمن معدوم حال العقد ، ولا يملكانها لأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه وصار للبائع ، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به ، فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهي بيع الأعيان ( وعنه تصح بالعروض ) اختاره أبو بكر ، وأبو الخطاب ، وقدمه في " المحرر " ; لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعا ، وكون الربح بينهما ، وهذا يحصل في العروض من غير غرر كما يحصل في الأثمان ( ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد ) ليتمكن العامل من رد رأس المال عند التفاضل كما أنا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها ، وسواء كانت العروض من ذوات الأمثال كالحبوب أو لا ، وفي " الرعاية " : وعنه يصح بكل عرض متقوم ، وقيل مثلي ( وهل تصح بالمغشوش والفلوس ؛ على وجهين ) كذا في " المحرر " ، وبناهما على القول بأنها لا تصح إلا بنقد ، وقيدهما في " الفروع " بالنافقتين ، وفي " الترغيب " في فلوس نافقة روايتان ، أحدهما وهو المذهب أنها لا تصح ; لأن المغشوش لا ينضبط غشه فلا يمكن رد مثله ، والفلوس تزيد قيمتها وتنقص ، أشبهت العروض ، ويستثنى منه الغش اليسير لمصلحته كحبة فضة في دينار ، ذكره في " المغني " و " الشرح " لأنه لا يمكن التحرز منه ، والثاني يصح ; لأن الغش يستهلك في المغشوش [ ص: 6 ] والفلوس بشبهة الثمن ، قال أحمد : لا أرى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف ، وظاهره لا فرق بين أن تكون كاسدة أو رابحة ; لأنها إن كانت كاسدة كان رأس المال قيمتها كالعروض ، وإن كانت نافقة كان رأس المال مثلها ، وكذا المغشوش ، وفي ثالث : إن كانت الفلوس نافقة جاز ، وإلا فلا لشبهها بالنقدين .
( الثاني أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح مشاعا معلوما ) كالثلث والربع ; لأن الربح مستحق لهما بحسب الاشتراط ، فلم يكن بد من اشتراطه كالمضاربة ، واشترط كونه مشاعا لأنه لو عين دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها ، فيأخذ جميع الربح ، واحتمل أن لا يربح ، فأخذ من رأس المال جزءا ، وقد يربح كثيرا ، فيستضر من شرطت له ، واشترط كونه معلوما ; لأن الجهل به يفضي إلى التنازع ، وهو بينهما على ما شرطاه ; لأن العمل يستحق به الربح كالمضاربة ، وقد يتفاضلان فيه لقوة حذقه ( فإن قالا : الربح بيننا فهو بينهما نصفين ) لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غير ترجيح ، فاقتضى التسوية كقوله : هذه الدار بيني وبينك ( فإن لم يذكرا الربح ) لم يصح كالمضاربة ; لأنه المقصود من الشركة فلا يجوز الإخلال به ، فعلى هذا يكون الربح بينهما على قدر المالين ( أو شرطا لأحدهما جزءا مجهولا ) فكذلك ; لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب ، ولأنه هو المقصود منها فلم يصح مع الجهالة كالثمن ، لكن لو قال : لك مثل ما شرط لفلان ، وهما يعلمانه صح ( أو دراهم معلومة ) لم يصح لما ذكرنا ، ولأن العامل ينبغي أن تكون حصته معلومة بالقدر ، فإذا جهلت الأجزاء فسدت ، وكذا لو جعل [ ص: 7 ] لنفسه جزءا وعشرة دراهم ، وحكاه ابن المنذر في القراض إجماع من يحفظ عنه فيما إذا جعلا أو لأحدهما دراهم معلومة ، فلو قال : لك نصف الربح إلا عشرة دراهم بطلت لزيادتها ( أو ربح أحد الثوبين ) أو ربح إحدى السفرتين ، أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه ( لم يصح ) لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره ، أو بالعكس ، فيختص أحدهما بالربح ، وهو مخالف لموضوع الشركة بغير خلاف نعلمه ( وكذلك الحكم في المساقاة ، والمزارعة ) قياسا على الشركة .
( ولا يشترط أن يخلطا المالين ) لأنه عقد يقصد به الربح ، فلم يشترط فيه ذلك كالمضاربة ، ولأنه عقد على التصرف فلم يشترط فيه الخلط كالوكالة ( ولا أن يكونا من جنس واحد ) نص عليه ، فيجوز لأحدهما أن يخرج دنانير والآخر دراهم لأنهما الأثمان ، فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد ، فإذا اقتسما رجع كل بماله ثم يقتسمان الفضل ، نص عليه ، وذكره عن محمد بن الحسن ، ولا يشترط تساويهما في القدر في قول الجمهور ، وقال القاضي : متى تفاضلا قوما المتاع بنقد البلد ، وقوما مال الآخر به ، ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه ، ورد بأنها شركة صحيحة رأس المال فيها الأثمان ، فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو كان الجنس واحدا ( وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما ) لأن العقد وقع على ذلك ، ولأنه أمينه ووكيله ، وفي " الشرح " من شرط صحتها أن يأذن كل منهما لصاحبه في التصرف ، والأصح لا يشترط فإن اشتراه لنفسه فهو له ; لأنه أعلم بنيته ( وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما ) بعد الخلط [ ص: 8 ] اتفاقا ، وكذا قبله على الأشهر ; لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد ، فكذا في الضمان ، وكنمائه لصحة القسمة بالكلام كخرص ثمار ، فكذا الشركة ، احتج به أحمد ، قاله الشيخ تقي الدين ، وعنه من ضمان صاحبه ( والوضيعة ) أي الخسران ( على قدر المال ) بالحساب ; لأنها عبارة عن نقصان رأس المال ، وهو مختص بالقدر ، فيكون النقص منه دون غيره ، وسواء كانت الوضعية لتلف أو نقصان في الثمن أو غير ذلك ، ومقتضاه أنه لا شيء على العامل في المضاربة بل هي مختصة بملك ربه كالمزارعة .