ومن أحيا أرضا ميتة فهي له ، مسلما كان أو كافرا ، بإذن الإمام أو غير إذنه في دار الإسلام وغيرها ، إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها ، وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه لم يملك بالإحياء ، وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين ، ولا تملك المعادن الظاهرة كالملح والقار والنفط والكحل والجص بالإحياء ، وليس للإمام إقطاعه ، وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء ، وللإمام إقطاعه ، وإذا ملك المحيا ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة ، وإن ظهر فيه عين ماء ، أو معدن جار ، أو كلأ ، أو شجر فهو أحق به ، وهل يملكه ؛ على روايتين ، وما فضل من مائه لزمه بذله لبهائم غيره ، وهل يلزمه بذله لزرع غيره ؛ على روايتين .
( ومن أحيا أرضا ميتة فهي له ) أي للمحيي للأخبار ( مسلما كان ) اتفاقا ، سواء كان مكلفا أو لا ، لكن شرطه أن يكون ممن يملك المال ; لأنه يملكه بفعله كالاصطياد ( أو كافرا ) أي : ذميا في المنصوص ، وعليه الجمهور للعموم ، وقال ابن حامد : لا يملك الذمي بالإحياء ، وحمل أبو الخطاب قوله على دار الإسلام ، قال القاضي : هو مذهب جماعة من أصحابنا لقوله عليه السلام : موتان الأرض [ ص: 250 ] لله ورسوله ، ثم هي لكم " وجوابه بعد تسليم صحته أنها لكم ، أي : لأهل داركم ، والذمي من أهل دارنا ، فعلى المنصوص إذا أحيا مواتا عنوة لزمه عنه الخراج ، وإن أحيا غيره فلا شيء عليه في الأشهر ، ونقل عنه حرب : عليه عشر ثمره ، وزرعه ( بإذن الإمام أو غير إذنه ) قاله الأصحاب ، ونص عليه أحمد مستدلا بعموم الحديث ، ولأنها عين مباحة فلا يفتقر تملكها إلى إذن كأخذ المباح ، وهو مبني على أن عموم الأشخاص يستلزم عموم الأحوال ، وقيل : لا يجوز إلا بإذنه ، وحكاه في " الواضح " رواية ; لأن له مدخلا في النظر في ذلك ( في دار الإسلام وغيرها ) يعني أن جميع البلاد سواء في ذلك ، فتحت عنوة كأرض الشام ، والعراق ، وما أسلم أهله عليه كالمدينة ، وما صولح أهله على أن الأرض للمسلمين كخيبر ، ويستثنى من ذلك موات الحرم وعرفات ، وعنه : ليس في أرض السواد موات معللا بأنها لجماعة ، فلا يختص بها أحدهم ، وحملها القاضي على العام ، وأن أحمد قاله حين كان السواد عامرا في زمن عمر ( إلا ما أحياه مسلم من أرض الكفار التي صولحوا عليها ) أي : لا يملك مسلم بالإحياء موات بلدة كفار صولحوا على أنها لهم ، ولنا خراجها ; لأنهم صولحوا في بلادهم فلا يجوز التعرض لشيء منها ; لأن الموات تابع للبلد ، ويفارق دار الحرب ; لأنها على أصل الإباحة ، وقيل : يملك به لعموم الخبر ، ولأنها من مباحات دارهم ، فملك به كالمباح .
( وما قرب من العامر وتعلق بمصالحه ) كطرقه ، وفنائه ، ومسيل مائه ، ومرعاه ، ومحتطبه ، وحريمه ( لم يملك بالإحياء ) بغير خلاف نعلمه ، لمفهوم قوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340165من أحيا أرضا ميتة في غير حق مسلم فهي له ، ولأن ذلك من [ ص: 251 ] مصالح الملك فأعطي حكمه ، وذكر القاضي أن منافع المرافق لا يملكها المحيي بالإحياء ، لكن هو أحق بها من غيره ، وعلى الأول لا يقطعه إمام لتعلق حقه به ( وإن لم تتعلق بمصالحه فعلى روايتين ) أنصهما وأشهرهما عند الأصحاب أنه يملك بالإحياء للعموم مع انتفاء المانع ، وهو التعلق بمصالح العامر ، والثانية : لا يملك به تنزيلا للضرر في المآل منزلة الضرر في الحال ، إذ هو بصدد أن يحتاج إليه في المآل ، والأولى أولى ; لأنه عليه السلام أقطع بلال بن الحارث العقيق ، وهو يعلم أنه من عمارة المدينة ، ولأنه موات لم يتعلق به مصلحة ، فجاز إحياؤه كالبعيد ، والمرجع في القرب والبعد إلى العرف ، وعليها للإمام إقطاعه .
فائدة : إذا وقع في الطريق نزاع وقت الإحياء ، فلها سبعة أذرع للخبر ، ولا تغير بعد وضعها ; لأنها للمسلمين ، نص عليه ، وقال فيمن أخذ منها شيئا : توبته أن يرد ما أخذ .
فرع : ما نضب عنه الماء في الجزائر ، فالأشهر أنه لا يملك به ; لأن البناء فيها يرد الماء إلى الجانب الآخر ، فيضر بأهله .
( وإذا كان بقرب الساحل موضع إذا حصل فيه الماء صار ملحا ملك بالإحياء ) في الأصح ; لأنه لم يضيق على أحد ، فلم يمنع منه كبقية الموات ، وإحياؤه بعمل مما يصلح له من حفر ترابه ، وتمهيده ، وفتح قناة إليه ( وللإمام إقطاعه ) كبقية الموات ( وإذا ملك المحيا ) أي : إذا ملك الأرض بالإحياء ( ملكه بما فيه من المعادن الباطنة كمعادن الذهب والفضة ) والحديد ; لأنه ملك الأرض بجميع أجزائها وطبقاتها ، وهذا منها بخلاف الكنز فإنه مودع فيها ، ويفارق ما إذا كان ظاهرا قبل إحيائها ; لأنه قطع عن الناس نفعا كان واصلا إليهم ، وظاهره أنه يملك المعادن الظاهرة ، ولو تحجر الأرض أو أقطعها فظهر فيها المعدن قبل إحيائها [ ص: 253 ] كان له إحياؤها ، ويملكها بما فيها ; لأنه صار أحق بتحجره وإقطاعه فلم يمنع من إتمام حقه .