فإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا - واللقيط مسلم - أو بدويا ينتقل في المواضع ، أو وجده في الحضر فأراد نقله إلى البادية ، لم يقر في يده ، وإن التقطه في البادية مقيم في حلة أو من يريد نقله إلى الحضر - أقر معه ، وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر ، فهل يقر في يده ؛ على وجهين ، وإن التقطه اثنان قدم الموسر على المعسر ، والمقيم على المسافر ، فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما ، وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة ، فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد ، فإن كان في أيديهما أقرع بينهما ، فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما قدم ، وإلا سلمه الحاكم إلى من يرى منهما ، أو من غيرهما .
( فإن كان فاسقا أو رقيقا أو كافرا - واللقيط مسلم - أو بدويا ينتقل في المواضع ، أو وجده في الحضر ، فأراد نقله إلى البادية لم يقر في يده ) وفيه مسائل :
الأولى : أنه لا يقر في يد الفاسق ; لأنه ليس في حفظه إلا الولاية ، ولا ولاية لفاسق ، وفارق اللقطة من حيث إنها في معنى التكسب ، وإنها إذا انتزعت [ ص: 297 ] منه فترد إليه بعد الحول ، وظاهر الخرقي أنه تقر في يده في الحضر ، وهو أحد الوجهين لكونه سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فيكون أحق ، فإن أراد السفر به منع ; لأنه يبعده ممن يعرف حاله فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه . قال في " المغني " فعلى قوله : ينبغي أن يجب الإشهاد عليه ، ويضم إليه أمين يشارفه ليؤمن التفريط فيه ، وفيه وجه : يقر في يده مطلقا كاللقطة ، ويجاب عما ذكر بأن اللقيط ظاهر ومكشوف لا تخفى الخيانة فيه بخلافها ؛ ولأنه يمكن أخذ بعضها وإبدالها بخلاف اللقيط ؛ ولأن المال محل الخيانة ، والنفوس إلى أخذها داعية بخلاف النفوس ، فإن كان مستور الحال فوجهان .
الثانية : أنه لا يقر في يد العبد ; لأنه لا ولاية له إلا أن يأذن له سيده ; لأن منافعه مملوكة له ، فلا يذهبها في غير نفعه إلا بإذنه ، فيصير كما لو التقطه سيده وسلمه إليه ، فإذا أذن له فليس له الرجوع ، قاله ابن عقيل ، والأمة كالعبد ، لكن إن لم يجد أحدا يلتقطه سواه تعين عليه كتخليصه من الغرق ، ذكره في " المغني " ، و " الشرح " .
[ ص: 298 ] الرابعة : أنه لا يقر في يد البدوي الذي ينتقل في المواضع ; لأن فيه إتعابا للطفل بتنقله ، فعليه يؤخذ منه ويدفع إلى صاحب قرية ; لأنه أرفه له ، وأخف عليه ، وفي آخر أنه يقر في يده ; لأن الظاهر أنه ولد بدويين ، وإقراره في يد ملتقطه أرجى لكشف نسبه ، وأطلقهما في " الفروع " .
الخامسة : أنه لا يقر في يد من وجده في الحضر وأراد نقله إلى البادية ; لأن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه ، وأرفه له ، والظاهر أنه ولد فيه ، فبقاؤه فيه أرجى ؛ لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به ( وإن التقطه في البادية مقيم في حلة - ) بكسر الحاء المهملة - : البيوت المجتمعة ، وحينئذ يقر في يده ; لأن الحلة كالقرية في كونه لا يرحل لطلب الماء والكلأ ( أو من يريد نقله إلى الحضر أقر معه ) ؛ لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى الرفاهية والدعة والدين .
( وإن التقطه في الحضر من يريد نقله إلى بلد آخر ، فهل يقر في يده ؛ على وجهين ) ، أحدهما لا يقر في يده ; لأن بقاءه ببلد أرجى لكشف نسبه ، والثاني : يقر ; لأن ولايته ثابتة ، والبلد الثاني كالأول في الرفاهية ، أشبه المنتقل من أحد جانبي البلد إلى الجانب الآخر ، وكذا الخلاف لو أراد نقله من قرية إلى قرية ، أو من حلة إلى حلة ، وعلى المنع ما لم يكن البلد الذي كان فيه وبيئا كغور بيسان ، قاله الخرقي ، وقيل : إن نوى الإقامة فيما انتقل به إليه من حلة وقرية وبلد جاز ، وفي " الترغيب " من وجده بفضاء خال نقله حيث شاء .
[ ص: 299 ] ( وإن التقطه اثنان ) بحيث إنهما تناولاه جميعا ( قدم الموسر على المعسر ) ؛ لأن ذلك أحظ للطفل ( والمقيم على المسافر ) ؛ لأنه أرفق بالطفل ، وعلم منه أنهما لو كانا غير متصفين بما ذكرنا فإنه ينزع من أيديهما ، ويقدم الأمين على غيره ، والمسلم على الكافر ، ولو كان المسلم فقيرا ; لأن النفع بإسلامه أعظم من النفع الحاصل بيساره ، وعلى قياس قولهم : يقدم الجواد على البخيل ، وفي " الترغيب " : يقدم بلدي على غيره ، وظاهر العدالة على مستور الحال ، وقيل : سواء ; لأن احتمال وجود المانع لا يؤثر في المنع ، فلا يؤثر في الترجيح ( فإن تساويا ) في الصفات ( وتشاحا ، أقرع بينهما ) ؛ لقوله تعالى :وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم [ آل عمران : 44 ] ; لأنه لا يمكن كونه عندهما في حالة واحدة ، وكالقرعة في الشركة ، والقسم ، والعتق ، وظاهره ولو كان بينهما مهايأة ؛ لاختلاف الأغذية ، والأنس ، والإلف ، والمرأة كالرجل ، وقيل : يسلمه الحاكم إلى أحدهما أو غيرهما ، فلو رضي أحدهما بتسليمه إلى الآخر جاز ; لأن الحق له ، فلا يمنع من الإيثار به .
( وإن اختلفا في الملتقط منهما قدم من له بينة ) ؛ لأنها أقوى ، فإن كان لكل منهما بينة قدم أسبقهما تاريخا ، فإن استوى تاريخهما ، أو أطلقتا ، أو أرخت إحداهما وأطلقت الأخرى - تعارضتا وسقطتا في وجه ، فيصير كمن لا بينة لهما ، وفي الآخر يقرع بينهما ، فإن كان اللقيط في يد أحدهما فهل تقدم بينته أو بينة الخارج ؛ فيه وجهان مبنيان على الخلاف في دعوى المال ( فإن لم تكن لهما بينة قدم صاحب اليد ) ؛ لأن اليد دليل استحقاق الإمساك ، وظاهره أنه لا يحلف ، قال القاضي : [ ص: 300 ] هو قياس المذهب كالطلاق ، وقال أبو الخطاب ونصره في " الشرح " : يحلف أنه التقطه ( فإن كان في أيديهما أقرع بينهما ) ؛ لاستوائهما في السبب ولم يمكن تسليمه إليهما ، فتثبت القرعة ، وحينئذ يسلم إلى من تقع القرعة له مع يمينه ، وعلى قول القاضي لا يمين ، فإن ادعى أنه أخذه منه قهرا وسأل يمينه ، حلف ، وفي " المنتخب " : لا ، كطلاق ، ( فإن لم تكن لهما يد فوصفه أحدهما ) بأن يقول : في ظهره شامة ، أو بخده علامة ( قدم ) ذكره معظم الأصحاب كلقطة المال ؛ ولأن الوصف يدل على القوة ، فقدم به ، وذكر القاضي وصاحب " المبهج " ، و " المنتخب " ، و " الوسيلة " : لا يقدم واصفه ، وذكره في " الفنون " عن أصحابنا لتأكده لكونه دعوى نسب ، وللغنى بالقافة ، وكما لو وصف المدعي المدعى ( وإلا ) إذا انتفى الوصف ( سلمه الحاكم إلى من يرى منهما ، أو من غيرهما ) ، ذكره القاضي ، وأبو الخطاب ; لأنه لاحق لهما ، وقيل : لا يسلمه الحاكم ، بل يقرع بينهما ، وفي " المغني " هو الأولى كما لو كان في أيديهما ، ولأنهما تنازعا حقا في يد غيرهما ، أشبه ما لو تنازعا وديعة عند غيرهما ، وظاهره أنه لا تخيير للصبي ، صرح به في " الفروع " .