فصل وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء ، أحدها : أنه يبدأ بالأول فالأول منها ، والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها ، والثاني : أنه لا يملك الرجوع في العطية بخلاف الوصية ، والثالث : أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها بخلاف الوصية ، والرابع : أن الملك يثبت في العطية من حينها ويكون مراعى ، فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حينه ، فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث كان كسبه له إن كان معتقا ، وللموهوب له إن كان موهوبا ، وإن خرج بعضه فلهما من كسبه بقدر ذلك ، فلو أعتق عبدا لا مال له سواه فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء ، وله من كسبه شيء ولورثة سيده شيئان ، فصار العبد وكسبه نصفين ، فيعتق منه نصفه ، وله نصف كسبه وللورثة نصفهما ، وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء ، وللورثة شيئان ، فيعتق ثلاثة أخماسه ، وله ثلاثة أخماس كسبه والباقي للورثة ، وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء ، وله نصف شيء من كسبه ، وللورثة شيئان ، فيعتق منه ثلاثة أسباعه ، وله ثلاثة أسباع كسبه ، والباقي للورثة ، وإن كان موهوبا لإنسان فله من العبد بقدر ما عتق منه وبقدره من كسبه ، وإن أعتق جارية ثم وطئها ومهر مثلها نصف قيمتها فهو كما لو كسب نصف قيمتها يعتق منها ثلاثة أسباعها ، ولو وهبها مريضا آخر لا مال له أيضا فوهبها الثاني للأول صحت هبة الأول في شيء ، وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه ، بقي لورثة الآخر ثلثا شيء ، وللأول شيئان ، فلهم ثلاثة أرباعها ، ولورثة الثاني ربعها ، وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة ، فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ثم انسب الثلث إلى الباقي وهو عشرة من عشرين ، تجده نصفها ، فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء ، ويبطل فيما بقي . وإن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها ، وصداق مثلها خمسة ، فماتت قبله ثم مات - لها بالصداق خمسة وشيء بالمحاباة ، رجع إليه نصف ذلك بموتها ، صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء بمعدل شيئين ، اجبرها بنصف شيء وقابل يخرج الشيء ثلاثة ، فلورثته ستة ولورثتها أربعة ، وإن مات قبلها ورثته وسقطت المحاباة ، وعنه : تعتبر المحاباة من الثلث ، قال أبو بكر : هذا قول قديم رجع عنه .
فصل
( وتفارق العطية الوصية في أربعة أشياء ؛ أحدها : أنه يبدأ بالأول فالأول منها ) ؛ لوقوعها لازمة ، ( والوصايا يسوى بين المتقدم والمتأخر منها ) ؛ لأنها تبرع بعد الموت ، فوجد دفعة واحدة ، ( والثاني : أنه لا يملك الرجوع في العطية ) ؛ لأنها تقع لازمة في حق المعطي ينتقل إلى المعطى في الحياة إذا اتصل بها القبول والقبض ولو كثرت ، وإنما منع من التبرع بزيادة على الثلث ؛ لحق الورثة ، ( بخلاف الوصية ) ، فإنه يملك الرجوع فيها ; لأن التبرع فيها مشروط بالموت ، فقبل الموت لم يوجد ، فهي كالهبة قبل القبول ( والثالث : أنه يعتبر قبوله للعطية عند وجودها ) ؛ لأنها تمليك في الحال ( بخلاف الوصية ) ، فإنها تمليك بعد الموت فاعتبر عند وجوده ، ( والرابع : أن الملك يثبت في العطية من حينها ) بشروطها ; لأنها إن كانت هبة فمقتضاها تمليكه الموهوب في الحال ، فيعتبر قبولها في المجلس كعطية الصحة [ ص: 395 ] وكذا إن كانت محاباة أو إعتاقا ( ويكون مراعى ) ؛ لأنا لا نعلم هل هو مرض الموت أو لا ، ولا نعلم هل يستفيد مالا أو يتلف شيء من ماله ، فتوقفنا لنعلم عاقبة أمره ليعمل بها ، فإذا انكشف الحال علمنا حينئذ ما ثبت حال العقد كإسلام أحد الزوجين ، ( فإذا خرج من الثلث تبينا أن الملك كان ثابتا من حينه ) أي من حين العطية ; لأن المانع من ثبوته كونه زائدا على الثلث ، وقد تبين خلافه ، ( فلو أعتق في مرضه عبدا أو وهبه لإنسان ثم كسب في حياة سيده شيئا ثم مات سيده فخرج من الثلث - كان كسبه له إن كان معتقا ) ؛ لأن الكسب تابع لملك الرقبة ( وللموهوب له إن كان موهوبا ) لما ذكرنا ، وعلم منه أن العتق والهبة نافذان فيه إذا خرج من الثلث ، فتعين كون الكسب للمعتق والموهوب له للتبعية ، ( وإن خرج بعضه ) من الثلث ( فلهما ) - أي للمعتق والموهوب له - ( من كسبه بقدر ذلك ، أي بمقدار نسبة ذلك ) البعض إليه .
( فلو أعتق عبدا لا مال له سواه ، فكسب مثل قيمته قبل موت سيده فقد عتق منه شيء وله من كسبه شيء ) ؛ لأن الكسب يتبع ما تنفذ فيه العطية دون غيره فيلزم الدور ; لأن للعبد من كسبه بقدر ما عتق ، وباقيه لسيده ، فيزداد به مال السيد ، وتزداد الحرية كذلك ، ويزداد حقه من كسبه فينقص به حق السيد من كسبه ، وينقص بذلك قدر المعتق منه ، ونبه عليه بقوله : ( ولورثة سيده شيئان ، فصار العبد وكسبه نصفين ) ، أي صار مقسوما نصفين ; لأن العبد لما استحق [ ص: 396 ] بعتقه شيئا وبكسبه شيئا كان له في الجملة شيئان وللورثة شيئان ( فيعتق منه نصفه وله نصف كسبه ، وللورثة نصفهما ) ، أي نصف العبد ونصف الكسب ، فإذا كان العبد قيمته مائة مثلا وكسب مائة قسمت ذلك على أربعة أشياء ، فيكون الشيء خمسين ، وهو أولى من ضم الأشياء ، ثم يقسم نصفين ; لأن بالأول تبين مقدار الشيء ، فيعلم مقدار العتق بخلاف القسمة نصفين ، فإنه يحتاج إلى نظر لتبين مقدار العتق ، ( وإن كسب مثلي قيمته صار له شيئان وعتق منه شيء ، وللورثة شيئان ، فيعتق ثلاثة أخماسه وله ثلاثة أخماس كسبه ، والباقي للورثة ) ، ففي مسألتنا إذا كسب مائتين قسمت المجموع وهو ثلاثمائة على خمسة أشياء : ثلاثة للعبد ، وشيئان للورثة - وجدت كل شيء يعدل شيئين ، وذلك ثلاثة أخماس العبد ( وإن كسب نصف قيمته عتق منه شيء ، وله نصف من كسبه ، وللورثة شيئان ) ، فالجميع ثلاثة أشياء ونصف شيء ، فابسطها تصر سبعة ، له ثلاثة أسباعها ، ( فيعتق منه ثلاثة أسباعه وله ثلاثة أسباع كسبه ، والباقي للورثة ) في الصور كلها ; لأنه ملكهم ، وضابط ذلك أن تقول : عتق منه شيء ، وللورثة مثلا ما عتق منه وهو شيئان ، وله من كسبه شيء إن كسب مثل قيمته ، وشيئان إن كسب مثلا قيمته ، وثلاثة أشياء إن كسب ثلاثة أمثال قيمته ، ونصف شيء إن كسب مثل نصف قيمته ، وعلى هذا أبدا ، ثم تجمع الأشياء فتقسم قيمة العبد وكسبه عليها ، فما خرج فهو الشيء ، فلو أعتق عبدا لا مال له سواه قيمته مائة ، فكسب ثلاثة أمثال قيمته - فقد عتق منه شيء ، ولورثة سيده شيئان ، وله من كسبه ثلاثة أشياء ، فتجمع الأشياء فتصير ستة ، فاقسم عليها قيمة العبد وكسبه ، وذلك أربعمائة ، يخرج الشيء ستة [ ص: 397 ] وستين وثلثين ، فقد عتق منه شيء وهو ثلثا قيمته ، ولورثة سيده شيئان مثلا ما عتق منه ، وله من كسبه ثلاثة أشياء مائتان وهي ثلثا كسبه .
فرع : أعتق عبدا قيمته عشرون ثم آخر قيمته عشرة ، فكسب كل منهما قدر قيمته فكملت الحرية في العبد الأول ، فيعتق منه شيء وله من كسبه شيء وللورثة شيئان ، فتقسم العبدين وكسبهما على الأشياء الأربعة ، فيخرج لكل شيء خمسة عشر ، فيعتق منه بقدر ذلك ، وهو ثلاثة أرباعه ، وله ثلاثة أرباع كسبه ، والباقي للورثة ، وإن بدأ بعتق الأدنى عتق كله ، وأخذ كسبه ، ويستحق الورثة من العبد الآخر وكسبه مثلي العبد الذي عتق ، وهو نصفه ونصف كسبه ، ويبقى نصفه ونصف كسبه بينهما نصفين ، فيعتق ربعه وله ربع كسبه ، ويرق ثلاثة أرباعه ، ويتبعه ثلاثة أرباع كسبه ، وذلك مثلا ما عتق منهما ، فإن أعتقهما معا أقرعنا بينهما ، فمن خرجت له قرعة الحرية فهو كما لو بدأ بإعتاقه ، فلو كانا متساويي القيمة فأعتقهما بكلمة واحدة ولا مال له سواهما فمات أحدهما في حياته - أقرع بين الحي والميت ، فإن وقعت على الميت فالحي رقيق ، ويتبين أن الميت نصفه حر ; لأن مع الورثة مثل نصفه ، وإن وقعت على الحي عتق ثلثيه ولا يحسب الميت على الورثة ; لأنه لم يصل إليهم ( وإن كان موهوبا لإنسان فله ) أي للموهوب له ( بقدر ما عتق منه ) ؛ لأن القدر الموهوب يعدل القدر المعتق ( وبقدره من كسبه ) ؛ لأن الكسب يتبع الملك ، فلزم أن يملك من الكسب بقدر ما ملك من العبد ، فإن كانت قيمته مائة فكسب تسعة ، فاجعل له كل دينار شيئا ، فقد عتق منه مائة ، وله من كسبه تسعة أشياء ، ولهم مائتا شيء ، فيعتق منه مائة جزء . وتسعة أجزاء من ثلاثمائة وتسعة ، له من كسبه مثل [ ص: 398 ] ذلك ، ولهم مائتا جزء من نفسه ومائتا جزء من كسبه ، فإن كان على السيد دين يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرفا في الدين ولم يعتق منه شيء ; لأن الدين مقدم على التبرع ، وإن لم يستغرق قيمته وقيمة كسبه صرف من العبد وكسبه ما يقضى منه الدين ، وما بقي منهما يقسم على ما يعمل في العبد الكامل وكسبه .
( وإن أعتق جارية ) لا مال له غيرها ( ثم وطئها - ومهر مثلها نصف قيمتها - فهو كما لو كسب نصف قيمتها ، يعتق منها ثلاثة أسباعها ) ؛ لأنها لو كسبت نصف قيمتها لعتق منها ثلاثة أسباعها ، سبع بملكها له من نفسها بحقها من مهرها ، ولا ولاء عليها لأحد ، وسبعان بإعتاق الميت ، لكن في التشبيه نظر من حيث إن الكسب يزيد به ملك السيد ، وذلك يقتضي الزيادة في العتق ، والمهر ينقصه ، وذلك يقتضي نقصان العتق ، ( ولو وهبها مريضا آخر لا مال له أيضا فوهبها الثاني للأول وماتا جميعا ( صحت هبة الأول في شيء ، وعاد إليه بالهبة الثانية ثلثه ، بقي لورثة الآخر ثلثا شيء ، وللأول ) أي لورثة الأول ( شيئان ) ، فاضربها في ثلاثة ليزول الكسر تكن ثمانية أشياء تعدل الأمة الموهوبة ، ( فلهم ) أي لورثة الأول ( ثلاثة أرباعها ) ستة ( ولورثة الثاني ربعها ) شيئان ، وإن شئت قلت : المسألة من ثلاثة ; لأن الهبة صحت من ثلث المال ، وهبة الثاني صحت في ثلث الثلث ، فتكون من ثلاثة ، اضربها في أصل المسألة تكن تسعة ، أسقط السهم الذي صحت فيه الهبة الثانية ، بقيت المسألة من ثمانية ، ( وإن باع مريض قفيزا لا يملك غيره [ ص: 399 ] يساوي ثلاثين بقفيز يساوي عشرة ) ، وهما من جنس واحد ، فيحتاج إلى تصحيح البيع في جزء منه مع التخلص من الربا ؛ لكونه يحرم التفاضل بينهما ، فأشار إلى الطريقة فقال : ( فأسقط قيمة الرديء من قيمة الجيد ، ثم انسب الثلث إلى ما بقي وهو عشرة من عشرين تجده نصفها ، فيصح البيع في نصف الجيد بنصف الرديء ) ؛ لأن ذلك يقابله بعض المبيع بقسطه من الثمن عند تعذر أخذ جميعه بجميع الثمن أشبه ما لو اشترى سلعتين بثمن ، فانفسخ البيع في أحدهما بعيب أو غيره ، ( ويبطل فيما بقي ) ؛ لانتفاء المقتضي للصحة ، لا يقال : فلا يصح في الجيد بقدر قيمة الرديء ويبطل في غيره ؛ لأنه يفضي إلى الربا لكونه عقدا يصح في ثلث الجيد بكل الرديء ، وذلك ربا ؛ ولأن المحاباة في البيع وصية ، وفيما ذكر إبطالها ; لأنه لا يحصل لها شيء ، وطريق الجبر أن يقال : يصح البيع في شيء من الأرفع بشيء من الأدنى وقيمة ثلث شيء ، فتكون المحاباة بثلثي شيء ، ألقها من الأرفع يبقى قفيزا إلا ثلثي شيء يعدل ثلثي المحاباة ، وذلك شيء وثلث شيء ، فإذا جبرته عدل شيئين ، فالشيء نصف القفيز ، وإن كان الأدنى يساوي عشرين صحت في جميع الجيد بجميع الرديء ، وإن كان الأدنى يساوي خمسة عشر فاعمل بالطريقين الأولين ، ولك طريق آخر ، وهو أن تضرب ما حاباه به في ثلاثة ، تبلغ خمسة وثلاثين ، انسب قيمة الجيد إليها بثلثها ، فيصح بيع ثلثي الجيد بثلثي الرديء ، وبطل فيما عداه .
[ ص: 400 ] ( وإن أصدق امرأة عشرة لا مال له غيرها ، وصداق مثلها خمسة ، فماتت قبله ثم مات ) - فيدخلها الدور ، فنقول : ( لها خمسة بالصداق ) ؛ لأنها مهر مثلها ، ( وشيء بالمحاباة ) ؛ لأنها كالوصية ، ويبقى لورثة الزوج خمسة الأشياء ، ( رجع إليه نصف ذلك بموتها ) ؛ لأن الزوج يرث نصف ما لامرأته إذا لم يكن لها ولد ( صار له سبعة ونصف إلا نصف شيء ) ؛ لأنه كان له خمسة الأشياء وورث اثنين ونصف شيء ( يعدل شيئين ) ؛ لأنه مثلا ما استحقته المرأة بالمحاباة ، وذلك شيء ، ( اجبرها بنصف شيء ) لتعلم ، ( وقابل ) أي يزاد على الشيئين نصف شيء ، فليقابل ذلك النصف المراد ، أي يبقى سبعة ونصف تعدل شيئين ونصفا ، ( يخرج الشيء ثلاثة ، فلورثته ستة ) ؛ لأن لهم شيئين ، ( ولورثتها أربعة ) ؛ لأنه كان لها خمسة وشيء ، وذلك ثمانية ، رجع إلى ورثته نصفها وهي أربعة ، والطريقة في هذا أن ننظر ما بقي في يد ورثة الزوج ، فخمساه هو الشيء الذي صحت المحاباة فيه ، وذلك لأنه بعد الجبر يعدل شيئين ونصفا ، والشيء هو خمساها ، وإن شئت أسقطت خمسه ، وأخذت نصف ما بقي ( وإن مات قبلها ورثته ) ؛ لأنها زوجته ، ( وسقطت المحاباة ) ، نص عليه ; لأن حكمها في المرض حكم الوصية في أنها لا تصح لوارث ، فعليه لو كانت غير وارثة كالكافرة لم تسقط المحاباة ؛ لعدم الإرث ، وحينئذ فلها مهرها وثلث ما حاباها به ، ( وعنه : تعتبر المحاباة من الثلث ) ؛ لأنها محاباة لمن يجوز عليها الصدقة ، فاعتبرت من الثلث كمحاباة الأجنبي ، ( قال أبو بكر : هذا قول قديم رجع عنه ) ، وقيل : تسقط المحاباة إن لم يجزها بقية الورثة ، وقيل : يسقط [ ص: 401 ] المسمى ويجب مهر المثل ، وقيل : مهرها وربع الباقي ، وقيل : بل ثلث المحاباة ، وكذا الخلاف فيمن تزوج من يرثه في مرضه بأكثر من مهر المثل ، ولو تزوج مريضة بدون مهرها فهل لها ما نقص ؛ فيه وجهان .