باب الموصى له تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي ومرتد وحربي ، وقال ابن أبي موسى : لا تصح لمرتد ، وتصح لمكاتبه ومدبره وأم ولده ، وتصح لعبد غيره ، فإذا قبلها ، فهي لسيده ، وتصح لعبده بمشاع كثلث ماله ، فإذا أوصى بثلثه عتق ، وأخذ فاضل الثلث ، وإن لم يخرج من الثلث ، عتق منه بقدر الثلث ، وإن وصى له بمعين ، أو بمائة لم يصح ، وحكي عنه : أنه يصح ، وتصح للحمل إذا علم أنه كان موجودا حال الوصية ، بأن تضعه لأقل من ستة أشهر إن كانت ذات زوج أو سيد يطؤها ، أو لأقل من أربع سنين ، إن لم يكن كذلك في أحد الوجهين .
[ ص: 32 ] باب الموصى له هذا هو الركن الثاني ( تصح الوصية لكل من يصح تمليكه من مسلم وذمي ) بغير خلاف نعلمه لقوله تعالى إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا [ الأحزاب 6 ] . قال nindex.php?page=showalam&ids=12691محمد ابن الحنفية : هو وصية المسلم لليهودي والنصراني ; لأن الهبة تصح لهم ، فصحت لهم الوصية كالمسلم ، وعلم منه صحتها من الذمي للمسلم من باب أولى ، ويستثنى من الوصية لكافر ما إذا أوصى له بمصحف ، أو عبد مسلم ، أو سلاح ، أو حد قذف ، فإنه لا يصح ، ( ومرتد ) كالهبة ، ذكره أبو الخطاب . ولكن إن ضاق الثلث عنه وعن وصيته ، بدئ بعتقه ، وحربي ، وظاهره ولو كان في دار الحرب ، نص عليه ، وقاله أكثر العلماء ، وقيل : لا يصح لقوله تعالى إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم [ الممتحنة 6 ] الآية ، فدل على أن من قاتلنا ، لا يحل بره ، وجوابه : بأنه قد حصل الإجماع على صحة الهبة له ، والوصية في معناه ، وقضية عمر شاهدة بذلك ، ومحل الخلاف فيه إذا أوصى له بغير السلاح والخيل ، فإن كانت بشيء منهما فيتوجه أنه كبيعه منه . فرع : إذا أوصى لحربي بعبد كافر ، فأسلم قبل موت الموصي بطلت ، وإن أسلم بعده قبل القبول فوجهان ، وقيل : إن ملكت بالقبول بطلت ، وإن ملكه بالموت : فلا ، وقيل : بلى ، وهو أولى ( وقال ابن أبي موسى ) لا تصح لمرتد ; لأن ملكه غير مستقر ، ولا يرث ولا يورث ، فهو كالميت ، ولأن ملكه [ ص: 33 ] يزول عن ماله بردته في قول أبي بكر وجماعة ، فلا يثبت الملك له بالوصية ، وقال ابن حمدان : إن بقى ملكه ، صح الإيصاء له كالهبة له مطلقا ، وإن زال ملكه في الحال فلا ، وإن وقف أمر ماله على إسلامه ، فأسلم ، احتمل وجهين ، ولو عبر بقوله في الأصح فيهما لكان أولى إذ الخلاف فيهما معا . تنبيه : يعتبر تعيين الموصى له ، فلو قال : ثلثي لأحد هذين ، أو لجاره ، أو لقرابته محمد باسم مشترك ، لم يصح ، وعنه : بلى ، كقوله : أعطوا ثلثي أحدهما ، في الأصح ، فقيل : يعينه الوارث ، وقيل بقرعة ، وجزم ابن رزين بصحتها بمجهول ومعدوم ، فعلى الأول لو قال : عبدي غانم حر بعد موتي ، وله مائة وله عبدان بهذا الاسم ، عتق أحدهما بقرعة ، ولا شيء له ، نقله يعقوب ، وعلى الثانية هي له من ثلثه ، اختاره أبو بكر . ( وتصح لمكاتبه ) لأنه معه كالأجنبي في المعاملات ، فكذا في الوصية ، ولأنه يملك المال بالعقد ، فصحت الوصية له كالحر ، وتصح لمكاتب وارثه ، ومكاتب أجنبي ، سواء أوصى بجزء شائع أو معين ; لأن الورثة لا يستحقون المكاتب ، ولا يملكون ماله ، فإن قال : ضعوا عن مكاتبي بعض كتابته ، وضعوا ما شاءوا ، وإن قال ضعوا نجما فلهم وضع أي نجم شاءوا سواء اتفقت أو اختلفت ، فإن قال : ضعوا عنه أي نجم شاء ، رد ذلك إلى مشيئته ، وإن قال ضعوا عنه أكثر نجومه ، وضعوا عنه أكثر من نصفها ، وإن قال : الأوسط ، تعين ، وإن كانت خمسة ، تعين الثالث ، أو سبعة ، تعين الرابع ، وإن اختلفت ، رجع إلى قول الورثة ( ومدبره ) لأنه يصير حرا حين لزوم الوصية ، فصحت كأم الولد ، فإن [ ص: 34 ] لم يخرج من الثلث هو والوصية ، قدم عتقه على الوصية ; لأنه أنفع له ، وقال القاضي : يعتق بعضه ، ويملك منها بقدر ما عتق منه ، وجوابه بأنه وصى لعبده وصية صحيحة ، فيقدم عتقه على ما يحصل له من المال ، كما لو أوصى لعبده القن بمشاع من ماله ( وأم ولده ) لما روى سعيد أن عمر أوصى لأمهات أولاده لكل واحدة بأربعة آلاف ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين وغيره من التابعين ، وغيرهم لأنها حرة حين لزوم الوصية ، وكوصيته أن ثلث فرسه ، وقف عليها ما دامت على ولدها ، نقله المروذي ، وإن شرط عدم تزويجها ، ففعلت ، وأخذت الوصية ، ثم تزوجت فقيل : تبطل ، وقيل : لا كوصيته بعتق أمته على شرطه . ( وتصح لعبد غيره ) لأنه يصح اكتسابه ، فصحت الوصية كالحر ، إن قلنا : يملك ، صرح به في الفروع ، وفي الواضح ـ وهو ظاهر كلام جماعة ـ خلافه ، وهذا بشرط أن لا يكون عبد وارثه ، ولا قاتله إن لم يصر حرا وقت نقل الملك ( فإذا قبلها ، فهي لسيده ) لأنه من كسب عبده ، وكسبه للسيد ما لم يكن حرا ، وقت موت موص ، وإن عتق بعده وقبل القبول ، فالخلاف ، وظاهره أن قبول العبد لا يفتقر إلى إذن السيد ; لأنه كسب كالاحتطاب ، وفيه وجه ; لأنه تصرف من العبد ، فهو كبيعه ، ورد : بأنه تحصيل مال بغير عوض ، فلم يفتقر إلى إذنه كالمباح . ( وتصح لعبده بمشاع كثلث ماله ) لأنها وصية تضمنت العتق بثلث ماله فصحت ، كما لو صرح بذلك ( فإذا أوصى بثلثه عتق ) كما إذا كان ثلثه مائة ، وقيمة العبد مائة أو دونها ، عتق ; لأنه ملك من كل جزء من المال ثلثه مشاعا ، ومن جملته [ ص: 35 ] نفسه ، فيملك ثلثها ، وإذن يعتق ذلك الجزء لتعذر ملك نفسه ، ويسري إلى بقيته ، كما لو أعتق بعض عبده ، بل أولى ( وأخذ فاضل الثلث ) لأنه صار حرا ( وإن لم يخرج من الثلث عتق منه بقدر الثلث ) ولا يعتق منه أكثر من ذلك ; لأن الوصية لا تنفذ في الزائد على الثلث ، إلا بإجازة الوارث ، ولم يوجد ، وعلم مما سبق أنه إذا أوصى له بنفسه ، أو رقبته أنه يصح ويعتق بقبوله إن خرج من ثلثه ، وإلا عتق منه بقدره ، وإن وصى له ببعض رقبته ، فخرج من الثلث ، عتق ما وصى له به ، وفي بقيته روايتان . ( وإن وصى له بمعين ) كدار وثوب ( أو بمائة ، لم يصح ) في قول الأكثر ; لأنه يصير ملكا للورثة ، فما وصى له به ، فهو لهم ، فكأنه وصى لورثته بما يرثونه ، فلا فائدة فيه ، وعنه : يصح كالمشاع ، وعليها ما ذكره في الكافي أنه يشتري العبد من الوصية فيعتق ، وما بقي فهو له ، قال الزركشي : محافظة على تصحيح كلام المكلف ما أمكن إذ تصحيح الوصية يستلزم ذلك ، وبنى الشيرازي الخلاف على تمليكه ، ثم قال : وعلى رواية الصحة تدفع المائة إليه فإن باعه الورثة بعد ذلك ، فالمائة لهم ، قال في الرعاية : إذا لم يشرطها المبتاع ، وعنه يصح ، ويعطى ثلث المعين إن خرج معه من الثلث ، وعنه : منعها ، كقن زمنها ، ذكره ابن عقيل ، وعنه كما له ( وحكي عنه : أنه يصح وتصح للحمل ) بغير خلاف نعلمه ; لأن الوصية تجري مجرى الميراث في الانتقال بعد الموت ، وقد سمى الله تعالى الميراث وصية بقوله يوصيكم الله الآيات ، والحمل يرث ، فصحت الوصية له مع أنها أوسع من الميراث ; لأنها تصح للمخالف في الدين ، والعبد ، فالوصية له أولى ، لكن إن انفصل ميتا ، بطلت ; لأنه [ ص: 36 ] لا يرث ، لاحتمال أن لا يكون حيا حين الوصية ، فلا يثبتان بالشك ، وسواء مات لعارض من ضرب بطن ، أو غيره ، فإن وضعته حيا صحت ( إذا علم أنه كان موجودا حال الوصية ) لتحقيق الشرط ( بأن تضعه لأقل من ستة أشهر ) من حين الوصية ( وإن كانت ذات زوج ، أو سيد يطؤها ) أو بائنا للعلم بوجوده حال الوصية ، إذ التمليك لا يصح لمعدوم ، وفي المغني : أن تضعه لستة أشهر فما دون ، وفيه نظر ; لأنها إذا وضعته لستة أشهر احتمل حدوثه حال الوصية ، فلم يصادف موجودا يقينا ، وقد وهم ابن المنجا ، فقال : لا بد من ذكر ستة أشهر ; لأنها إذا وضعته لذلك علم أنه كان موجودا حال الوصية ، ويقدم رده ، ومقتضاه : أنها إذا وضعته لأكثر من ذلك أنها لا تصح الوصية لاحتمال حدوثه بعدها ، وعلى الأول لو كانت فراشا لهما ، وما وطئا لبعد أو مرض ، أو حبس ، صحت الوصية في ظاهر كلامهم ( أو لأقل من أربع سنين إن لم يكن كذلك ) أي : إن لم تكن ذات زوج ، أو سيد يطؤها ( في أحد الوجهين ) لأنه محكوم بوجوده لاحق بأبيه ، والثاني : لا تصح الوصية ; لأنه مشكوك في وجوده ، فلم يصح مع الشك فيه ، ولا يلزم من لحوق النسب صحة الوصية ، فإن النسب يثبت بالاحتمال ، وفيه وجه آخر أنه إذا أتت به لأكثر من سنتين إذا كانت بائنا لا تثبت له الوصية بناء على أن أكثر مدة الحمل سنتان .