ويصح تعليق العتق بالصفات ، كدخول الدار ، ومجيء الأمطار ، ولا يملك إبطالها بالقول ، وله بيعه وهبته ووقفه وغير ذلك ، فإن عاد إليه ، عادت الصفة إلا أن تكون قد وجدت في حال زوال ملكه ، فهل تعود بعوده ؛ على روايتين وتبطل الصفة بموته ، فإن قال : إن دخلت الدار بعد موتي ، فأنت حر ، أو أنت حر بعد موتي بشهر ، فهل يصح ويعتق بذلك ؛ على روايتين وإن قال : إن دخلتها فأنت حر بعد موتي ، فدخلها في حياة السيد صار مدبرا ، وإلا فلا ، فإن قال : إن ملكت فلانا ، فهو حر ، أو كل مملوك أملكه ، فهو حر ، فهل يصح ؛ على روايتين وإن قاله العبد ، لم يصح في أصح الوجهين ، وإن قال : آخر مملوك أشتريه ، فهو حر ، وقلنا بصحة الصفة ، فملك عبيدا ، ثم مات ، فآخرهم حر من حين الشراء ، أو كسبه له ، وإن قال لأمته : آخر ولد تلدينه ، فهو حر ، فولدت حيا ، ثم ميتا يعتق الأول ، وإن ولدت ميتا ، ثم حيا ، عتق الثاني ، وإن ولدت توأمين ، فأشكل الآخر منهما ، أقرع بينهما ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه في أصح الوجهين ، إلا أن تكون حاملا به حال عتقها ، أو حال تعليق عتقها ، وإن قال لعبده : أنت حر ، وعليك ألف أو على ألف ، عتق ، ولا شيء عليه وعنه : إن لم يقبل العبد ، لم يعتق ، والصحيح في قوله : أنت حر على ألف : أنه لا يعتق حتى يقبل ، وإن قال : أنت حر على أن تخدمني سنة ، فكذلك ، وقيل : إن لم يقبل ، لم يعتق رواية واحدة .
فصل
( ويصح تعليق العتق بالصفات كدخول الدار ، ومجيء الأمطار ) لأنه [ ص: 308 ] عتق بصفة ، فصح كالتدبير ( ولا يملك إبطالها ) أي : إبطال الصفات ( بالقول ) لأنه ألزم نفسه شيئا ، فلم يملك إبطاله بالقول ، كالنذر ، وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12737ابن الزاغوني رواية : إن له ذلك كالبيع ( وله بيعه وهبته ووقفه وغير ذلك ) كإجارته ; لأن ملكه باق عليه ، إذ العتق لا يقع إلا بعد وجود الشرط ; لأن المعلق بشرط عدم عند عدم الشرط ، وله وطء الأمة على الأصح ، كالتدبير ، وعنه : لا ; لأن ملكه باق عليه غير تام ، والأول هو المذهب ، فمتى جاء الوقت ، وهو في ملكه ، عتق بغير خلاف نعلمه ، فإن خرج عنه ببيع أو نحوه ، لم يعتق في قول الأكثر ، فإن قال : إن أعطيتني ألفا ، فأنت حر ، فهذه صفة لازمة ، لا سبيل للسيد ولا للعبد إلى إبطالها مع بقاء الملك ، فإن أبرأه السيد من الألف ، لم تصح البراءة ، ولم يعتق إلا بمجيئها ، وما بقي في يد العبد بعد الألف من كسبه ، يكون لسيده ، بخلاف الكتابة .
فرع : لا يعتق قبل وجود الصفة بكاملها ، كالجعل في الجعالة ، وذكر القاضي : أن من أصلنا أن العتق المعلق بصفة ، فوجد بوجود بعضها ، كما لو قال : أنت حر إن أكلت رغيفا ، فأكل نصفه ، ولا يصح ذلك لأمور ، منها : أن موضوع الشرط في الكتاب والسنة وأحكام الشريعة ، على أنه لا يثبت المشروط بدون شرطه .
( فإن عاد إليه ) بعد أن خرج منه ( عادت الصفة ) لأن التعليق وتحقق الشرط موجودان في ملكه ، فوجب العمل به ، كما لو لم يزل ملكه عنه ( إلا أن تكون قد وجدت في حال زوال ملكه ، فهل تعود بعوده ؛ على روايتين ) [ ص: 309 ] المنصوص عن أحمد : أنها لا تعود ; لأنها انحلت بوجودها في ملكه ، ولأن العتق معلق بشرط لا يقتضي التكرار ، فإذا وجد مرة ، انحلت اليمين .
والثانية : تعود ; لأنه لم توجد الصفة التي يعتق بها ، أشبه ما لو عاد إلى ملكه قبل وجود الصفة ، ولأن الملك مقدر في الصفة ، فكأنه قال : إذا دخلت الدار وأنت في ملكي ، فأنت حر ، ولم يوجد ذلك ، وفرق في المغني والشرح بين الطلاق والعتق ، من حيث إن النكاح الثاني ينبني على الأول ، والعتق بخلافه .
( وتبطل الصفة بموته ) لأن ملكه زال ، فتبطل تصرفاته بزواله ، كالبيع ( فإن قال : إن دخلت الدار بعد موتي ، فأنت حر ، أو أنت حر بعد موتي بشهر ، فهل يصح ، ويعتق بذلك ؛ على روايتين ) وفيه مسألتان : الأولى - وهي الأصح في الشرح - أن هذه الصفة ; لأنه علق عتقه على صفة توجد بعد زوال ملكه ، فلم تصح ، كما لو قال : إن دخلت الدار بعد بيعي إياك ، فأنت حر ، ولأنه إعتاق له بعد إقرار ملك غيره ، فلم يعتق ، كالمنجز ، والثانية : يعتق ، ذكره القاضي ، وجزم به في الوجيز ; لأنه صرح ، فحمل عليه ، كما لو وصى بإعتاقه ، وببيع سلعته ، ويتصدق بثمنها ، ويفارق [ ص: 310 ] التصرف بعد البيع ، فإن الله جعل للإنسان التصرف بعد موته ، في ثلثه ، بخلاف ما بعد البيع .
الثانية : إذا قال : أنت حر بعد موتي بشهر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17163مهنا : سألت أحمد عن هذا ، فقال : هذا لا يكون شيئا بعد موته ، واختاره أبو بكر ، لما ذكرنا في التي قبلها ، والثانية : يعتق إذا وجدت الصفة بعد الموت ، ذكره القاضي ، وابن أبي موسى ; لأن صحة التعليق توجب وقوع العتق عند شرطه ضرورة ، فعلى هذا يكون قبل العتق ملكا للوارث ، وكسبه له كأم الولد ، وعلى الأولى ، لا يملك الورثة بيعه قبل فعله كموصى به قبل قبوله ( وإن قال : إن دخلتها ، فأنت حر بعد موتي ، فدخلها في حياة السيد ، صار مدبرا ) لأنه وجد شرط التدبير ، وهو دخول الدار ( وإلا فلا ) أي : إذا لم يدخلها في حياة السيد ; لأنه جعل ظرفا لوقوع الحرية ، وذلك يقتضي سبق دخول الدار في الحياة ، وأنه للشرط ، إذ الشرط لا بد من سبقه الجزاء ( فإن قال ) الحر ( إن ملكت فلانا ، فهو حر ، أو كل مملوك أملكه ، فهو حر ، فهل يصح ؛ على روايتين ) إحداهما لا يصح ، ولا يعتق ، روي عن علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وجابر وخلق ، وفي المغني : هي ظاهر المذهب ، لما روى nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا nindex.php?page=hadith&LINKID=10340305لا عتق لابن آدم فيما لا يملك ، ولا طلاق لابن آدم فيما لا يملك قال الترمذي : هذا حديث حسن ، وهو أحسن ما روي في هذا الباب ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، ولم يعرف لهم مخالف ، فكان كالإجماع ، ولأنه لا يملك تنجيز العتق ، [ ص: 311 ] فلم يملك تعليقه ، لقوله عليه السلام : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340306لا عتق قبل ملك رواه nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي ، والثانية : لا يعتق إذا ملكه ، قدمه في الفروع ، ونقله الجماعة ، واختاره أصحابنا ، قاله القاضي وغيره ; لأن العتق مقصود من الملك ، والنكاح لا يقصد به الطلاق ، وفرق أحمد بأن الطلاق ليس لله ، ولا فيه قربة إلى الله تعالى ، ولأنه أضاف العتق إلى حال ملك عتقه فيه ، أشبه ما لو كان التعليق في ملكه ( وإن قاله العبد ، لم يصح في أصح الوجهين ) لأن العبد لا يصح منه العتق حين التعليق ; لكونه لا يملك ، وإن ملك ، فهو ملك ضعيف غير مستقر ، لا يتمكن من التصرف فيه ، وللسيد انتزاعه منه ، بخلاف الحر ، والثاني : أن العبد إذا قال ذلك ، ثم عتق ، وملك : عتق كالحر .
فرع : إذا قال الحر : أول عبد أملكه ، فهو حر ، انبنى على العتق ، قبل الملك ، وفيه روايتان ، فإن لم يملك بعد واحد شيئا ، فوجهان ، وإن ملك اثنين معا ، فقيل بعتقهما ; لأن الأولية وجدت فيهما جميعا ، كالمسابقة ، وعكسه ، وقيل : واحد بقرعة قدمه في الشرح ، ونقله nindex.php?page=showalam&ids=17163مهنا في أول غلام أو امرأة تطلع ، فهو حر ، أو طالق ، وذكر المؤلف لفظها : أول من يطلع من عبيدي .
( وإن قال : آخر مملوك أشتريه ، فهو حر ، وقلنا بصحة الصفة ) أي : صحة التعليق ; لأن الحرية علقت على الاتصاف بالآخرية ، وقد وجدت في الآخر ( فملك عبيدا ، ثم مات ، فآخرهم حر من حين الشراء ) لأنه قد تبينا أنه كان [ ص: 312 ] حرا حين ملكه ، ويكون ( أو كسبه له ) وإن كان أمة ، كان أولادها أحرارا من حين ولدتهم ; لأنهم أولاد حرة ، وإن كان وطئها ، فعليه مهرها ; لأنه وطئ حرة أجنبية ، ولا يحل له وطؤها إذا اشتراها ، حتى يشتري غيرها ; لأنه إذا لم يشتر بعدها غيرها ، فهي آخر في الحال ، فإن ملك اثنتين ، فكأول .
( وإن قال لأمته : آخر ولد تلدينه ، فهو حر ، فولدت حيا ثم ميتا ، لم يعتق الأول ) لأنه لم يوجد شرط عتقه ، ومقتضى قول الشريف : أنه يعتق الحي ( وإن ولدت ميتا ثم حيا ، عتق الثاني ) لوجود شرطه ( وإن ولدت توأمين ، فأشكل الآخر منهما ، أقرع بينهما ) لأن أحدهما استحق العتق ، ولم يعلم بعينه ، فوجه إخراجه بالقرعة ، كما لو قال : إحداكما حر .
( ولا يتبع ولد المعتقة بالصفة أمه ، في أصح الوجهين ) أي : إذا حملت بعد التعليق ، ووضعت قبل وجود الصفة ، ثم وجدت بعد ذلك ، لم يعتق الولد ; لأن الصفة لم تتعلق به حال التعليق ، ولا في حال العتق ، والوجه الثاني : أنه يتبعها في العتق ، قياسا على ولد المدبرة ، وفرق القاضي بأن ولد المدبرة يعتق بموت سيدها ، سواء كانت الأم باقية على ملك السيد ، أو باعها ، أو ماتت قبله ، وولد المعلق عتقها بصفة لا يعتق إلا بعتق أمه ( إلا أن تكون حاملا به حال عتقها ، أو حال تعليق عتقها ) أي : إذا علق عتق أمه بصفة وهي حامل ، تبعها ولدها كعضو من أعضائها ، فإن وضعته قبل وجود الصفة ، ثم وجدت ، عتق ; لأنه تابع في الصفة ، أشبه ما لو كان في البطن ، وإن كانت حاملا حال التعليق ، ثم وجدت الصفة ، وهي حامل ، عتقت هي وحملها ; لأن العتق وجد فيها وهي حامل ، فتبعها ولدها كالمنجز .
( وإن قال لعبده : أنت حر ، وعليك ألف أو على ألف ، عتق ، ولا شيء عليه ، ذكرها المتأخرون من أصحابنا ; لأنه أعتقه بغير شرط ، وجعل عليه عوضا لم يقبله ، فلم يعتق به ، ولم يلزمه شيء ، ونصره القاضي ، وأصحابه ، كقوله : [ ص: 314 ] أنت حر ، وعليك مائة على الأصح ( وعنه : إن لم يقبل العبد ، لم يعتق ) نقله nindex.php?page=showalam&ids=16937محمد بن جعفر ; لأن السيد قصد المعاوضة ، فإذا لم يقبل العبد وجب أن يبقى المال على ما كان عليه ( والصحيح في قوله : أنت حر على ألف ، أنه لا يعتق حتى يقبل ) فإن لم يقبل ، لم يعتق في قول الأكثر ; لأنه اعتقد بعوض ، فلم يعتق بدون قبوله ، كقوله : أنت حر بمائة أو بعتك نفسك بمائة ; لأن على تستعمل للشرط والعوض قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا [ الكهف 66 ] و قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج [ القصص 27 ] ولو قال في النكاح : زوجتك فلانة ابنتي على خمسمائة ، فقبل الآخر ، صح ، ووجب الصداق ، وقوله لأمته : أعتقتك على أن تزوجيني نفسك ، كقوله : على مائة ، وإن أباه ، لزمته القيمة ، وقيل : يعتق بقبولها مجانا ، واختار ابن عقيل : لا يعتق إلا بالأداء ، فإن باعه نفسه ، بمال في يده ، صح على الأصح ، وعتق في الحال ، وفي الولاء روايتان .
( وإن قال : أنت حر على أن تخدمني سنة فكذلك ) أي : يعتق بلا قبول ، وتلزمه الخدمة ، نص عليه ( وقيل : إن لم يقبل ، لم يعتق ، رواية واحدة ) لأن قصد المعاوضة فيها ظاهر ، فعلى هذا إذا قبل عتق في الحال ، ولزمته خدمته سنة ، فإن مات السيد قبل كمال السنة ، رجع على العبد بقيمة ما بقي من الخدمة ; لأنه إذا تعذر استيفاء العوض ، رجع إلى قيمته ، كالخلع والصلح عن دم العبد ، وهل للسيد بيعها ؛ فيه روايتان ، نقل حرب : لا بأس ببيعها من العبد ، أو ممن شاء ، ولم يذكروا لو استثنى خدمته مدة حياته ، وذكروا صحته في الوقف ، [ ص: 315 ] وهذا مثله بخلاف شرط البائع خدمة المبيع مدة حياته ; لأنه عقد معاوضة ، يختلف الثمن لأجله .
إذا قال : إن أعطيتني مائة ، فأنت حر ، فتعليق محض لا يبطله ما دام ملكه ، ولا يعتق بإبراء ، بل يدفعها ، نص عليه ، وما فضل عنها لسيده ، ولا يكفيه أن يعطيه من ملكه ، إذ لا ملك له على الأصح ، وهو كقوله لامرأته : إن أعطيتني مائة ، فأنت طالق ، فأتت بمائة مغصوبة ، ففي وقوعهما احتمالان ، قاله في الترغيب ، والعتق مثله ، إذا قال اشترني من سيدي بهذا المال ، وأعتقني ، ففعل ، عتق ، ولزم مشتريه المسمى ، وكذا إن اشتراه بعينه إن لم تتعين النقود ، وإلا بطلا ، وعنه : أجبن عنه .