الضرب الثاني : المحرمات إلى أبد ، وهن نوعان ، أحدهما :
المحرمات لأجل الجمع ، فيحرم الجمع بين الأختين ، وبين المرأة وعمتها أو خالتها ، فإن تزوجهما في عقد ، لم يصح ، وإن تزوجهما في عقدين ، أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء كانت بائنا أو رجعية - فنكاح الثانية باطل ، وإن اشترى أخت امرأته ، أو عمتها ، أو خالتها - صح ، ولم يحل له وطؤها حتى يطلق امرأته ، وتنقضي عدتها ، وإن اشتراهن في عقد واحد ، صح ، فإن وطئ إحداهما ، لم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإخراج عن ملكه أو تزويج ، ويعلم أنها ليست بحامل ، فإن عادت إلى ملكه ، لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ، وعنه : ليس بحرام ، ولكن ينهى عنه ، وإن وطئ أمته ، ثم تزوج أختها ، لم يصح عند أبي بكر ، وظاهر كلام أحمد أنه يصح ، ولا يطؤها حتى يحرم الموطوءة ، فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ، ولا يجوز للحر أن يجمع أكثر من أربع ، ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين ، وإن طلق إحداهن لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها .
فصل
( الضرب الثاني : المحرمات إلى أمد ) أي : غاية ( وهن نوعان ، أحدهما : [ ص: 63 ] المحرمات لأجل الجمع ، فيحرم الجمع بين الأختين ) من نسب أو رضاع ، حرتين أو أمتين ، أو حرة وأمة من أبوين ، أو من أب وأم ، قبل الدخول أو بعده ; لقوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف [ النساء : 23 ] ( وبين المرأة وعمتها أو خالتها ) إجماعا ، وسنده ما روى nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة مرفوعا ، قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340375لا يجمع بين المرأة وعمتها ، ولا بين المرأة وخالتها متفق عليه ، nindex.php?page=showalam&ids=12070وللبخاري عن جابر مثله ، وفي " التمهيد " عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نحوه ، ولما فيه من إيقاع العداوة بين الأقارب ، وإفضاؤه إلى قطيعة الرحم ، ويحصل تخصيص قوله تعالى : وأحل لكم ما وراء ذلكم ولا فرق فيه بين القريبة والبعيدة من نسب أو رضاع ، وضابطه : كل امرأتين لو كانت إحداهما ذكرا والأخرى أنثى حرم نكاحه ، ولهذا حرم الجمع بين المرأة وبنت أخيها ; لأن الأخ لا يباح له بنت أخته ، وابن الأخت لا تباح له خالته ، وأبيح الجمع بين بنتي عمين وبنتي خالين ، وبنتي عمتين وبنتي خالتين ; لأن ابن العم يجوز أن يتزوج ببنت عمه ، وابن الخال له أن يتزوج ببنت خالته ، وهل يكره لأجل قطيعة الرحم إن كانت بعيدة أو لا يكره ؛ فيه روايتان ، لكن لا يجوز الجمع أن يجمع بين عمة وخالة ، بأن ينكح امرأة وابنه أمها ، فولد لكل منهما بنت ، وبين عمتين بأن ينكح أم رجل والآخر أمه ، فيولد لكل منهما بنت ، وبين خالتين بأن ينكح كل منهما ابنة الآخر لا بين أخت رجل من أبيه وبين أخته من أمه ولو في عقد واحد ، قاله ابن حمدان وغيره ، ولا بين من كانت زوجة رجل ، وبنته من غيرها ( فإن تزوجهما في عقد ) واحد أو عقدين معا ( لم يصح ) ; لأنه لا يمكن تصحيحهما ، ولا مزية لأحدهما على الآخر ، ( وإن تزوجهما في عقدين ، أو تزوج إحداهما في عدة الأخرى سواء [ ص: 64 ] كانت بائنا أو رجعية ، فنكاح الثانية باطل ) ; لأن به يحصل الجمع ، فاختص البطلان به ، لكن إن جهل السابق فسخ النكاحان ، وعنه : يقرع بينهما ، وعلى الأول يلزمه نصف المهر ، ويقترعان عليه ، وذكر ابن عقيل رواية : لا ; لأنه مكره ، اختاره أبو بكر .
فرع : إذا تزوج أما وبنتا في عقد ، صح في حق البنت فقط ، وقيل : يفسد في حقهما كالأختين ، وجه الأول أن الأم تحرم بمجرد العقد ، فكانت أولى بالبطلان ، فاختصت به ، ونقل ابن منصور : إذا تزوج أختين في عقد ، يختار إحداهما ، قال القاضي : هو محمول على أنه يختار إحداهما بعقد مستأنف ( وإن اشترى أخت امرأته أو عمتها أو خالتها ، صح ) ; لأن الشراء يراد للاستمتاع ولغيره ، ولذلك صح شراء المجوسية وأخته من الرضاع ، وكذا لو ملكها بغير الشراء ( ولم يحل وطؤها حتى يطلق امرأته وتنقضي عدتها ) ; لئلا يكون جامعا بينهما في الفراش وجامعا ماءه في رحم من يحرم الجمع بينهما ( وإن اشتراهن ) أو ملكهن ( في عقد واحد ، صح ) لا نعلم فيه خلافا ; لأن الشراء يراد لغير الوطء بخلاف العقد ، وإذا جاز شراء واحدة على الأخرى ، فمعا أولى ( فإن وطئ إحداهما ) جاز ; لأن الأخرى لم تصر فراشا في قول أكثر العلماء ، وذكر جماعة : لا يقرب واحدة منهما ، وذكره أبو الخطاب مذهبا لأحمد و ( لم تحل له الأخرى حتى يحرم على نفسه الأولى بإخراج عن ملكه ) ولو ببيع للحاجة ، قاله الشيخ تقي الدين ، وابن رجب ، وهو الأظهر ( أو تزويج ) بعد استبراء ( ويعلم أنها ليست بحامل ) وهو قول علي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر ; لأن كل من حرم [ ص: 65 ] وطؤها تحل له إذا أخرجها عن ملكه ببيع أو تزويج ; لأن الجمع قد زال ، وظاهره : ولو كانت الأولى صغيرة ، ويشكل عليه أنه لا يجوز أن يفرق في البيع بين ذي رحم محرم إلا بعد البلوغ على رواية ، وشرط المؤلف وغيره : ( ويعلم أنها ليست بحامل ) ; لأنه إذا كانت حاملا لم تحل له أختها حتى تضع حملها ; لئلا يكون جامعا ماءه في رحم أختين ، فهو كنكاح الأخت في عدة أختها ، لا يقال : هذا الشرط لا يحتاج إليه ، إذ شرط الإباحة أحد الأمرين ، وكلاهما لا يصح إلا بعد العلم أن الموطوءة غير حامل ; لأن في البيع يجوز على رواية ، وعلى المنع يمكن أن يتضرر بالعتق ، ولكن من صور الإخراج البيع والهبة ، وفي الاكتفاء بتحريمها بكتابة ورهن وبيع بشرط خيار وجهان ، ولا يكفي مجرد تحريمها ، نص عليه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - وحكي عن علي - : أحلتها آية ، وحرمتها أخرى ، يريد قوله تعالى : وأن تجمعوا [ النساء : 23 ] أو ما ملكت أيمانكم [ النساء : 3 ] ( فإن عادت إلى ملكه لم يصب واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ) في ظاهر نصوصه ; لأن الثانية صارت فراشا ، وقد رجعت إليه التي كانت فراشا ، فحرمت كل واحدة منهما بكون الأخرى فراشا ، كما لو انفردت ، واختار في " المغني " : إن عادت قبل وطء أختها فهي المباحة ، واختار في " المحرر " : بل أيتهما شاء ، وأنها إن عادت بعد وطء أختها فأختها المباحة ، وقال ابن نصر الله : هذا إذا لم يجب استبراء ، فإن وجب لم يلزمه ترك أختها ، وهو حسن ، فلو خالف وفعل لزمه أن يمسك عنهما حتى تحرم إحداهما ، وأباح القاضي وطء الأولى بعد استبراء الثانية ( وعنه : ليس بحرام ، ولكن ينهى عنه ) حكاها القاضي والشيخان معتمدين في ذلك على رواية ابن منصور ، وسأله عن الجمع بين الأختين المملوكتين [ ص: 66 ] تقول : إنه حرام ؛ قال : لا ، ولكن ينهى عنه ، وامتنع الشيخ تقي الدين من إثبات ذلك رواية ، وهذا أدب في الفتوى ، كثيرا ما يستعمله السلف ، لا يطلقون لفظ التحريم ، يقولون ينهى عنه .
( وإن وطئ أمته ) أو أعتق سريته ( ثم تزوج أختها ، لم يصح عند أبي بكر ) وهو ظاهر كلام أحمد ، قاله القاضي ; لأن النكاح تصير المرأة به فراشا ، فلم يجز أن ترد على فراش الأخت كالوطء ( وظاهر كلام أحمد أنه يصح ) ذكره أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه سبب يستباح به الوطء ، فجاز أن يرد على وطء الأخت ، ولا يبيح كالشراء ( ولا يطؤها حتى تحرم الموطوءة ) ; لئلا يكون جامعا ماءه في رحم أختين ، ولا شك أن ملك اليمين أقوى من النكاح ; بدليل أنه لو اشترى زوجته ، انفسخ النكاح ، ولو سلم تساويهما ، فسبق ملك اليمين معارضه ، وعنه : تحريمهما حتى يحرم إحداهما ، وكذا لو تزوجها بعد تحريم سريته ثم رجعت السرية إليه ، لكن النكاح بحاله ، وإن أعتق سريته ثم تزوج أختها في مدة استبرائها ففي صحة العقد روايتان ، وله نكاح أربع سواها في الأصح ( فإن عادت إلى ملكه لم يطأ واحدة منهما حتى يحرم الأخرى ) ; لأن الأولى عادت إلى الفراش ، فاجتمعا فيه ، فلم تبح واحدة منهما قبل إخراج الأخرى عن الفراش .
تنبيه : إذا وطئ بشبهة أو زنا لم يجز في العدة أن ينكح أختها ولو كانت زوجته ، نص عليه ، وفيه احتمال ، وفي وطء أربع غيرها أو العقد عليهن [ ص: 67 ] وجهان ، ومن وطئت بشبهة حرم نكاحها في العدة ، وإن كان الواطئ في قياس المذهب ، وعنه : إن لزمتها عدة من غيره حرم ، وإلا فلا ، وهي أشهر ، وعنه : إن نكح معتدة من زوج بنكاح فاسد أو وطء ، حرمت عليه أبدا .
( ولا يجوز للحر أن يجمع أكثر من أربع ) أجمع أهل العلم على هذا ، إلا ما روي عن القاسم بن إبراهيم أنه أباح تسعا لقوله : مثنى وثلاث ورباع [ النساء : 3 ] والواو للجمع ; ولأنه عليه السلام مات عن تسع ، وهذا القول خرق للإجماع وترك للسنة ، فإنه عليه السلام قال لغيلان بن سلمة : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340376أمسك أربعا وفارق سائرهن وأمر نوفل بن معاوية حين أسلم على خمس أن يفارق واحدة منها ، رواهما nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . فإذا منع من الاستدامة زيادة على أربع فالابتداء أولى ، والواو أريد بها التمييز بين الأشياء ، كقوله تعالى : أولي أجنحة [ فاطر : 1 ] الآية ، ليس لكل ملك منهم تسعة ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان له أن يتزوج بأي عدد شاء ، ذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه كان في شريعة موسى جواز التزويج من غير حصر ، وفي شريعة عيسى لا يجوز أكثر من واحدة ; لمصلحة النساء ، فراعت شريعتنا مصلحة النوعين ( ولا للعبد أن يتزوج أكثر من اثنتين ) إجماعا ، وسنده أن nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة قال : أجمع أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العبد لا ينكح إلا اثنتين ، ولا يجوز أكثر من ذلك ، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وهو قول عمر ، وعلي ، nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف ، وبه يتخصص عموم الآية ، أو يقال : الآية إنما تناولت الحر ; لأن فيها أو ما ملكت أيمانكم والعبد لا يملك ، ولو ملك فنفس ملكه لا يبيح التسري .
فرع : من عتق نصفه أو أكثر ، له جمع ثلاث ، نص عليه كالحد ، وقيل : [ ص: 68 ] لا يملك سوى اثنتين ; لأنهما قد ثبتا له وهو عبد ، فلا ينتقل عنه إلا بدليل من نص أو إجماع ، ولم يوجد ( وإن طلق إحداهن ) أي : نهاية عدده ( لم يجز أن يتزوج أخرى حتى تنقضي عدتها ) أما إذا كان الطلاق رجعيا فلا خلاف فيه ، وكذا إن كان بائنا أو فسخا ، روي عن علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ; لأن بعض الأحكام باقية ، فيمتنعان منه كالرجعي بخلاف موتها ، نص عليه ، فإن قال : أخبرتني بانقضاء عدتها ، فكذبته ، فله نكاح أختها وبدلها في الأصح ، ولا تسقط السكنى والنفقة ونسب الولد ، بل الرجعة .
فرع : يجوز نكاح أمته في عدة حرة ، إذا كان الطلاق بائنا ، وكان خائفا للعنت ، نص عليه في رواية مهنا ; لوجود الشرطين .
تذنيب : في " الفنون " قال فقيه : شهوة المرأة فوق شهوة الرجل تسعة أجزاء . فقال حنبلي : لو كان هذا ما كان له أن يتزوج بأربع ، وينكح ما شاء من الإماء ، ولا تزيد المرأة على رجل ، ولها من القسم الربع ، وحاشا حكمته أن تضيق على الأحوج . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - وبعضهم يرفعه - : فضلت المرأة على الرجل بتسعة وتسعين جزءا من اللذة - أو قال - : من الشهوة ، ولكن الله تعالى ألقى عليهن الحياء ، وقوى في " إعلام الموقعين " أن الرجل أشد شهوة من المرأة ، وأن حرارته أقوى من حرارة المرأة ، والشهوة تتبعها الحرارة ; بدليل أن الرجل إذا جامع امرأة أمكنه مجامعة غيرها في الحال .