وألا يزيد على صداق أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وبناته ، وهو خمسمائة درهم ، ولا يتقدر أقله ولا أكثره ، بل كل ما جاز أن يكون ثمنا جاز أن يكون صداقا من قليل أو كثير ، وعين ودين ، ومعجل ومؤجل ، ومنفعة معلومة ، كرعاية غنمها مدة معلومة ، وخياطة ثوب ، ورد عبدها من موضع معين ، وإن كانت مجهولة كرد عبدها أين كان ، وخدمتها فيما شاءت - لم يصح ، وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة ، فعلى روايتين ، وكل موضع لا تصح التسمية ، وجب مهر المثل ، وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه ، أو الحديث ، أو قصيدة من الشعر المباح ، صح ، فإن كان لا يحفظها ، لم يصح ، ويحتمل أن يصح ، ويتعلمها ثم يعلمها ، فإن تعلمتها من غيره ، لزمه أجرة تعلمها ، وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ، فعليه نصف الأجرة ، ويحتمل أن يعلمها نصفها ، وإن كان بعد تعليمها ، رجع عليها بنصف الأجر ، وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين ، لم يصح ، وعنه : يصح ، ولا يحتاج إلى ذكر قراءة ، وقال أبو الخطاب : يحتاج إلى ذلك ،
( وإن تزوجها على منافعه مدة معلومة ، فعلى روايتين ) إحداهما : لا يصح ; لأنها ليست مالا ، فلا يصح أن يكون مهرا كرقبته ، ومنفعة البضع ، والثانية - وهي الأصح - : أنه يصح بدليل قصة موسى ، وقياسا على منفعة العبد ، وقال أبو بكر : إن كانت خدمة معلومة كبناء حائط صح ، وإن كانت مجهولة ، مثل أن يأتيها بعبدها الآبق أين كان ، ويخدمها في أي شيء أرادت ، فلا يصح ، ولا يضر جهل يسير ، وغرر يرجى زواله في الأصح ، فلو تزوجها على شرائه لها عبد زيد ، صح في المنصوص ، فإن تعذر شراؤه بقيمته ، فلها قيمته ، وكذا على دين سلم ، وآبق ، ومغصوب يحصله ، ومبيع اشتراه ولم يقبضه ، نص عليه ( وكل موضع لا تصح التسمية ) كالخمر ، والمعدوم ، والآبق ، والمجهول ( وجب مهر المثل ) ; لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض ، وقد تعذر رده بصحة النكاح ، فوجب قيمته وهو مهر [ ص: 134 ] المثل ، كمن اشترى بثمن فاسد ، فقبض المبيع ، وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته ، وعنه : يفسد ، اختاره أبو بكر ; لأنه عقد معاوضة أشبه البيع ، وجوابه بأن فساد المسمى ليس بأكثر من عدمه ، وعدمه لا يفسد العقد ، كذا هذا ، ويجب مهر المثل ; لأنها لم ترض إلا ببدل ، ولم يسلم البدل ، وتعذر رد العوض فوجب رد بدله ، كما لو باعه سلعة بخمر ، فتلفت عند المشتري ( وإن أصدقها تعليم أبواب من الفقه ، أو الحديث ، أو قصيدة من الشعر المباح ) أو أدب ، أو صنعة ، أو كتابة ، وهو معين ( صح ) ; لأنه يصح أخذ الأجرة على تعليمه ، فجاز أن يكون صداقا ، كمنافع الدار حتى ولو كان لا يحفظها ، نص عليه ، ويتعلمها ثم يعلمها ( فإن كان لا يحفظها لم يصح ) على المذهب ، كذا قيل ، واختاره في " الوجيز " ; لأنه أصدقها شيئا لا يقدر عليه ، كما لو استأجر على الخياطة من لا يحسنها ، وكذا لو قال على أن أعلمك ( ويحتمل أن يصح ) ذكره في " المجرد " ; لأن هذا يكون في ذمته ، أشبه ما لو أصدقها مالا في ذمته لا يقدر عليه في الحال ، وعلى هذا ( يتعلمها ثم يعلمها ) أو يقيم لها من يعلمها ، لأنه بذلك يخرج عن عهدة ما وجب عليه ، فإن جاءت بغيرها فقالت : علمها القصيدة التي تريد تعليمي إياها ، أو أتاها بغيره يعلمها ، لم يلزم ذلك في الأشهر ; لأن المستحق عليه العمل في عين لم يلزمه إيقاعه في غيرها ; ولأن المعلمين يختلفون في التعليم ( فإن تعلمتها من غيره لزمه أجرة تعلمها ) ; لأنه لما تعذر الوفاء بالواجب وجب الرجوع إلى بدله ، وكذا إن تعذر عليه تعليمها ، كما لو أصدقها خياطة ثوب فتعذر ، فإن ادعى أنه علمها وأنكرته ، قبل قولها ; لأن الأصل عدمه ، وفيه وجه ; لأن الظاهر معه ، وإن علمها ثم أنسيتها فلا [ ص: 135 ] شيء عليه ، وإن لقنها الجميع وكلما لقنها شيئا أنسيته - لم يعتد بذلك في الأشهر ( وإن طلقها قبل الدخول وقبل تعليمها ، فعليه نصف الأجرة ) ; لأنها صارت أجنبية ، فلا يؤمن في تعليمها من الفتنة ، وبعد الدخول كلها ( ويحتمل أن يعلمها نصفها ) هذا رواية ; لأنه موضع حاجة ، أشبه سماع كلامها في المعاملات ، وعلى هذا يعلمها من وراء حجاب من غير خلوة بها ; لأن ذلك حرام ، وإن كان الطلاق بعد الدخول ففي تعليمها الكل الوجهان ( وإن كان بعد تعليمها ، رجع عليها بنصف الأجر ) ; لأن الطلاق قبل الدخول يوجب نصف الصداق ، والرجوع بنصف التعليم متعذر ، فوجب الرجوع إلى بدله - وهو نصف - وإن سقط مهرها رجع بالكل ( وإن أصدقها تعليم شيء من القرآن معين ، لم يصح ) على المذهب ، واختاره أبو بكر وغيره ; لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال ; لقوله تعالى أن تبتغوا بأموالكم [ النساء : 24 ] ومن لم يستطع منكم طولا [ النساء : 25 ] والطول : المال ; لأن تعليم القرآن قربة ، ولا يصح أن يكون صداقا كالصوم ( وعنه : يصح ) ذكر ابن رزين أنها الأظهر ، وجزم بها في " عيون المسائل " ; لحديث الموهوبة ; ولأن تعليم القرآن منفعة مباحة ، فجاز جعل ذلك صداقا كتعليم قصيدة من الشعر المباح ، وقيل : إن جاز أخذ الأجرة عليه ، والأول أولى ، وحديث الموهوبة قيل : معناه : زوجتكها ; لأنك من أهل القرآن ، كما زوج طلحة على إسلامه ويحتمل أن يكون خاصا به يؤيده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زوج غلاما على سورة من القرآن ، ثم قال : لا يكون بعدك مهرا رواه سعيد والنجاد ، فعلى هذا تعين السورة أو الآية ; لأنه إذا لم يعين يصير مجهولا مفضيا إلى المنازعة ( ولا يحتاج إلى ذكر قراءة ) من [ ص: 136 ] القراءات السبعة ; لأن الاختلاف في ذلك يسير ( وقال أبو الخطاب : يحتاج إلى ذلك ) ; لأن الأغراض تختلف ، والقراءات تختلف ، فمنها ما هو صعب ، كقراءة حمزة وهشام ، ووقوفهما على المد ، أشبه تعيين الآيات ، فإن أطلق فعرف البلد ، فإن تعلمته من غيره لزمه الأجرة ، وإن علمها ثم سقط ، رجع بالأجرة ، ومع تنصفه بنصفها ، وإن طلقها ولم يعلمها لزمه أجرة ما يلزمه لخوف الفتنة ، جزم به في " الفصول " ، وأنه يكره سماعه بلا حاجة ، وعنه : يعلمها مع أمن الفتنة .
ملحق : بقية القرب كصوم وصلاة تخرج على الروايتين ، ذكره في " الواضح " .