ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين ، فإن خالعها بغير عوض ، لم يقع ، إلا أن يكون طلاقا ، فيقع رجعيا ، والأخرى : يصح بغير عوض ، اختارها الخرقي ، ولا يستحب أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ، فإن فعل ، كره ، وصح ، وقال أبو بكر : لا يجوز ، ويرد الزيادة ، وإن خالعها بمحرم كالخمر ، والحر - فهو كالخلع بغير عوض ، وإن خالعها على عبد ، فبان حرا أو مستحقا - فله قيمته عليها ، فإن بان معيبا ، فله أرشه أو قيمته ، ويرده ، وإن خالعها على رضاع ولده عامين أو سكنى دار ، صح ، فإن مات الولد ، أو خربت الدار - رجع بأجرة باقي المدة ، وإن خالع الحامل على نفقة عدتها ، صح وسقطت .
فصل
( ولا يصح الخلع إلا بعوض في أصح الروايتين ) جزم به الأصحاب ، وقدمه في " الفروع " ; لأن العوض ركن فيه ، فلم يصح تركه كالثمن في المبيع ( فإن خالعها بغير عوض ، لم يقع ) ; لأن الشيء إذا لم يكن صحيحا لم يترتب عليه دليله للبيع ( إلا أن يكون طلاقا ) دون الثلاث ( فيقع رجعيا ) ; لأنه طلاق لا عوض فيه ، فكان رجعيا كغيره; ولأنه يصح كناية عن الطلاق ، وإن لم ينو به طلاقا لم يكن شيئا; لأن الخلع إن كان فسخا فلا يملك الزوج فسخ النكاح إلا لعيبها ، ولذلك لو قال : فسخت النكاح ، ولم ينو به الطلاق - لم يقع شيء ، بخلاف ما إذا دخله العوض ، فإنه معاوضة ، ولا يجتمع العوض والمعوض ( والأخرى : يصح بغير عوض ، اختارها الخرقي ) وابن عقيل في التذكرة; لأنه قطع للنكاح ، فصح من غير عوض كالطلاق; ولأن الأصل في مشروعية الخلع أن يوجد من المرأة رغبة عن زوجها ، فإذا سألته الفراق ، فأجابها إليه - حصل المقصود من الخلع ، أشبه ما لو كان بعوض .
قال أبو بكر : لا خلاف عن أبي عبد الله أن الخلع ما كان من قبل النساء ، فإذا كان من قبل الرجال ، فلا نزاع في أنه طلاق ، يملك به الرجعة ، ولا [ ص: 230 ] يكون فسخا ، وظاهره : أنه لا بد فيه من سؤال المرأة ، أو من يقوم مقامها ، وصرح به في " الكافي " ، والأصفهاني في شرح الخرقي ; لأن خالع من باب المفاعلة ، وهي للمشاركة ، وفي " الترغيب " : أنها تبين بقوله : فسخت ، أو خلعت إذا قلنا : هو فسخ بمجرده ، فظاهره : أنه لا يحتاج فيه إلى سؤال ، لكنه مخالف لما ذكره الجماعة .
فرع : تبين بالخلع على كلتا الروايتين ، فلا يملك رجعتها إلا بشرط كالبيع .
ودليل الكراهة : قوله عليه السلام في حديث رواه أبو حفص بإسناده أنه كره أن يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها وفي قول المؤلف نظر; لأنه لا يلزم من الكراهة عدم الاستحباب ، وفيه شيء ، وأما الصحة فلقوله تعالى : فلا جناح عليهما فيما افتدت به [ البقرة : 229 ] ; ولأنه قول جماعة من الصحابة ومن بعدهم ، قالت nindex.php?page=showalam&ids=10718الربيع بنت معوذ : اختلعت من زوجي بما دون عقاص رأسي ، فأجاز ذلك علي ، واشتهر ، ولم ينكر ، فكان كالإجماع ( وقال أبو بكر : لا يجوز ) هو رواية عن أحمد ، روي عن علي بإسناد منقطع; ولأمره عليه السلام ثابتا أن لا يزداد ، وأمره للوجوب ( ويرد الزيادة ) ; لعدم جوازها ( وإن خالعها بمحرم ) يعلمانه ( كالخمر ، والحر - فهو كالخلع بغير عوض ) في قول أكثر العلماء; لأن الخلع على ذلك مع [ ص: 231 ] العلم بتحريمه يدل على رضى فاعله بغير شيء لا يقال : هلا يصح الخلع ويجب مهر المثل لزوجها عليه; لأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم ، فإذا رضي بغير عوض لم يكن له شيء ، كما لو طلقها ، أو علقه على فعل فعلته ، وفارق النكاح ، فإن وصول البضع في ملك الزوج متقوم ، وقدم في " الرعاية " أنه إذا خالعها بمحرم يعلمانه ، فإنه يصح مجانا ، واقتضى أنهما إذا لم يعلما المحرم أن له قيمته ، كما ذكره في " الروضة " وغيرها .
( وإن خالعها على عبد ، فبان حرا أو مستحقا - فله قيمته عليها ) ; لأن ذلك عين يجب تسليمها مع سلامتها ، فوجب بدلها مع تعذرها كالمغصوب ، وهذا بخلاف ما سبق; لأنه هنا لم يرض بغير عوض متقوم ، فيرجع بحكم الغرور ، ويجب مثله إن كان مثليا ، فلو خالعها على دن خل ، فبان خمرا - رجع عليها بمثله خلا; لأن الخل من ذوات الأمثال ، وقيل : ترجع بقيمة مثله خلا; لأن الخمر من ذوات الأمثال ، والأول أصح ، وقيل : يجب مهر المثل; لأنه على البضع بعوض فاسد ، أشبه النكاح بخمر ، وجوابه : بأنها عين يجب تسليمها مع سلامتها ، وبقاء سبب الاستحقاق ، فوجب بدلها مقدرا بقيمتها أو مثلها كالمغصوب .
( فإن بان معيبا ، فله أرشه أو قيمته ، ويرده ) ; لأنه عوض في معاوضة ، فكان له ذلك ، كالبيع والصداق ، فإن كان على معين كقولها : اخلعني على هذا العبد ، فيقول : خلعتك ، ثم يجد به عيبا لم يكن علم به ، فهذا يخير فيه بين [ ص: 232 ] أخذ أرشه ، أو رده وأخذ قيمته ، وإن قال : إن أعطيتني هذا الثوب فأنت طالق ، فأعطته إياه - طلقت وملكه ، قال أصحابنا : والحكم فيه كما لو خالعها عليه ( وإن خالعها على رضاع ولده عامين ) أو مدة معلومة - صح ، قل أو أكثر; لأن هذا مما تصح المعاوضة عليه في غير الخلع ، ففيه أولى ، فلو خالعها من إرضاع ولده مطلقا - صح ، وانصرف إلى ما بقي من الحولين أو هما ، نص عليه ( أو سكنى دار ) معينة ، ويشترط تعيين المدة كالإجارة ( صح ) وكذا إذا خالعها على نفقة الطفل أو كفالته ( فإن مات الولد ، أو خربت الدار - رجع بأجرة باقي المدة ) ; لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه ، فوجب الرجوع بباقي أجرة المدة ، كما لو أجره دابة شهرا بعشرة ، ثم مات في نصفه ، وفي الكفالة بقيمة مثلها لمثله ، وهل يستحقه دفعة أو يوما بيوم ؛ فيه وجهان ، أحدهما : يستحقه دفعة واحدة ، ذكره القاضي في " الجامع " ، واحتج بقول أحمد : يرجع عليها ببقية ذلك ، والثاني : يستحقه يوما بعد يوم ، وهو الأصح; لأنه ثبت منجما ، فلا يستحقه معجلا ، كما لو أسلم إليه في خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة ، فمات . وقيل : يرجع بأجرة المثل لباقي المدة في الكل ، فإن أراد أن يقيم بدله من يرضعه أو يكفله ، فأبت ، أو أرادته هي ، فأبى - لم يلزما ، وكذا نفقته مدة معينة إذا مات ، والأشهر : أنه لا يعتبر نفقتها وصفتها ، بل يرجع إلى العرف والعادة ، وكذا موت مرضعة أو جفاف لبنها في أثنائها .
( وإن خالع الحامل على نفقة عدتها ، صح وسقطت ) نص عليه; لأن نفقة الحامل مقدرة واجبة بالشرع ، فهو كالخلع على الرضاع; ولأنها تسقط; لأنها صارت مستحقة له ، فإن لم تكن حاملا فلا نفقة لها عليه ، وقيل : لها ومن [ ص: 233 ] مهر المثل; لأن النفقة لم تجب ، فلم يصح الخلع ، وجوابه : بأنها إحدى النفقتين ، فصحت المخالعة كنفقة الصبي ، وقيل : إن وجبت النفقة بالعقد وإلا فهو خلع بمعدوم .
فرع : إذا خالع حاملا منه فأبرأته من نفقة حملها فلا نفقة لها ، ولا للولد حتى تفطمه ، نقل المروذي : إذا أبرأته من مهرها ونفقتها ، ولها ولد - فلها النفقة عليه إذا فطمته; لأنها قد أبرأته مما يجب لها من النفقة ، فإذا فطمته فلها طلبه بنفقته ، وكذا السكنى .
مسألة : العوض في الخلع كالعوض في الصداق والبيع ، فإن كان مكيلا أو موزونا لم يدخل في ضمان الزوج ، ولم يملك التصرف فيه إلا بقبضه ، وإن كان غيرهما دخل في ضمانه بمجرد الخلع ، وصح تصرفه فيه .