ويصح الخلع بالمجهول ، وقال أبو بكر : لا يصح ، والتفريع على الأول ، فإذا خالعها على ما في يدها من الدراهم ، أو ما في بيتها من المتاع ، فله ما فيهما ، فإن لم يكن فيهما شيء ، فله ثلاثة دراهم ، وأقل ما سمي متاعا ، وقال القاضي : يرجع عليها بصداقها في مسألة المتاع ، وإن خالعها على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها ، فله ذلك ، فإن لم تحملا ، فقال أحمد : ترضيه بشيء ، وقال القاضي : لا شيء له ، وإن خالعها على عبد ، فله أقل ما يسمى عبدا ، وإن قال : إن أعطيتني عبدا ، فأنت طالق ، طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا ، وملك العبد ، نص عليه ، وقال القاضي : يلزمها عبد وسط فيهما ، وإن قال : إن أعطيتني هذا العبد فأنت طالق ، فأعطته إياه - طلقت ، وإن خرج معيبا ، فلا شيء له ، وإن خرج مغصوبا ، لم يقع الطلاق عليها ، وعنه : يقع ، وله قيمته ، وكذلك في التي قبلها ، وإن قال : إن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق ، فأعطته مرويا - لم تطلق ، وإن خالعته على هروي ، بأن قالت : اخلعني على هذا الثوب الهروي ، فبان مرويا - فله الخيار بين رده وإمساكه ، وعند أبي الخطاب : ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه .
فصل
( ويصح الخلع بالمجهول ) في ظاهر المذهب; لأن الطلاق معنى يجوز تعليقه بالشرط ، فجاز أن يستحق به العوض المجهول كالوصية; ولأن الخلع إسقاط لحقه من البضع ، وليس فيه تمليك شيء ، والإسقاط تدخله المسامحة; ولذلك جاز بغير عوض - على رواية ، ( وقال أبو بكر : لا يصح ) وإنه قياس قول أحمد ، وجزم به أبو محمد الجوزي; لأنه معاوضة ، فلم يصح بالمجهول كالبيع ( والتفريع على الأول ) ; لأنه المذهب ، والفرق بينه وبين البيع أن البيع لا يصح إلا بثمن - قولا واحدا ، بخلاف الخلع على قول ، وحينئذ يجب في ظاهر نصه المسمى ( فإذا خالعها على ما في [ ص: 234 ] يدها من الدراهم أو ما في بيتها من المتاع ، فله ما فيهما ) إذا كان فيهما شيء; لأن ذلك هو المخالع عليه ، وجهالته لا تضر; لأن التفريع على صحة الخلع بالمجهول ، وظاهره : أنه يستحق ما في يدها ، وإن كان أقل من ثلاثة دراهم ، وهو احتمال حكاه في " المغني " و " الشرح " ; لأنه الذي في اليد ، والثاني : له ثلاثة دراهم ; لأن لفظه يقتضيها .
( فإن لم يكن فيهما شيء ، فله ثلاثة دراهم ، وأقل ما سمي متاعا ) ; لأن ذلك أقل ما يقع عليه اسم الدراهم والمتاع حقيقة ( وقال القاضي ) وأصحابه ( يرجع عليها بصداقها في مسألة المتاع ) ; لأنها فوتت عليه البضع ، ولم يحصل له العوض; لجهالته ، فوجب عليها قيمة ما فوتت عليه ، وهو الصداق ، وأما على الرواية الأولى ، ففيه خمسة أوجه .
أحدهما وهو ظاهر كلامه : صحة الخلع بالمسمى ، لكن يجب أدنى ما يتناوله الاسم لما تبين عدمه ، وإن لم يكن غرته كحمل الأمة .
الثاني : صحته بمهرها فيما يجهل حالا ومآلا ، فإن تبين عدمه رجع إلى مهرها ، وقيل : إذا لم تغره فلا شيء عليها .
الثالث : فساد المسمى وصحة الخلع بمهرها .
الرابع : بطلان الخلع ، قاله أبو بكر .
الخامس : بطلانه بالمعدوم وقت العقد كما تحمل شجرته وصحته مع الوجود يقينا أو ظنا ، ثم هل يجب المسمى أو مهر أو الفرق ؛ قاله في " المحرر " ( وإن خالعها [ ص: 235 ] على حمل أمتها أو ما تحمل شجرتها ، فله ذلك ) أي : ما تحملانه; لأنه المخالع عليه ولو كان معدوما ، إذ لا أثر له ، والمراد بحمل الأمة ما تحمله بدليل قوله بعد ، فإن لم تحملا ، وهكذا ذكره في " المغني " ، ولا فرق بين مسألة حمل الأمة وحمل الشجرة ( فإن لم تحملا ، فقال أحمد : ترضيه بشيء ) لئلا يخلو الخلع عن عوض ، وفي " المغني " قول أحمد : ترضيه بشيء أن له أقل ما يقع عليه اسم الحمل والثمرة ، فهو كمسألة المتاع; لأنه بمعناه ( وقال القاضي : لا شيء له ) ; لأنه رضي بالحمل ، ولا حمل ، وتأويل قول أحمد على الاستحباب; لأنه لو كان واجبا لقدره بتقدير يرجع إليه .
وعليه الفرق بينهما وبين مسألة الدراهم والمتاع ، أن المرأة في مسألة الدراهم والمتاع أوهمته أن معها دراهم ، وفي بيتها متاع; لأنها خاطبته بلفظ يقتضي الوجود مع إمكان علمها به ، فكان له ما دل عليه لفظها ، كما لو خالعته على عبد فوجد حرا ، وفي هاتين المسألتين دخل معها في العقد مع تساويهما في العلم في الحال ، ورضاهما بما فيه من الاحتمال ، فلم يكن لها شيء غيره ، كما لو قال خالعتك على هذا الحر ، وقالابن عقيل : له مهر المثل ، وقال أبو الخطاب : له المسمى ( وإن خالعها على عبد فله أقل ما يسمى عبدا ) أي : يصح تمليكه ، نص عليه; لأنه خالعها على مسمى مجهول ، فكان له أقل ما يقع عليه الاسم ، كما لو خالعها على ما في يدها من الدراهم ، فإن خالعته على عبيد فله ثلاثة - في ظاهر كلام أحمد والخرقي - كمسألة الدراهم ( وإن قال : إن أعطيتني عبدا فأنت طالق ، طلقت بأي عبد أعطته طلاقا بائنا ، وملك العبد ، نص عليه ) ; لأن الشرط عطية عبد ، وقد وجد ، ويقع الطلاق بائنا; لأنه على [ ص: 236 ] عوض ، ويملك العبد; لأنه عوض خروج البضع من ملكه ( وقال القاضي : يلزمها عبد وسط فيهما ) كالصداق ، وتأول كلام أحمد على أنها تعطيه عبدا وسطا ، وعلى قوله إن أعطته معيبا أو دون الوسط - فله رده وأخذ بدله .
تتمة : لو أعطته مدبرا أو معتقا بعضه ، وقع الطلاق; لأنهما كالقن في التمليك ، وإن أعطته حرا أو مغصوبا ، أو مرهونا ، لم تطلق; لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه ، وفي " الرعاية " : لو بان حرا أو مغصوبا أو مكاتبا ، بانت ، وله القيمة ، وقيل : لا تطلق ( وإن قال : إن أعطيتني هذا العبد ) أو الثوب الهروي ( فأنت طالق ، فأعطته إياه - طلقت ) ; لتحقق وجود الشرط ، ويقع بائنا ، ( وإن خرج معيبا ) أو مرويا ( فلا شيء له ) ذكره أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنه شرط لوقوع الطلاق ، أشبه ما لو قال : إن ملكته فأنت طالق ، ثم ملكه ، وقال القاضي : له رده وأخذ قيمته بالصفة سليما ، أو أخذ أرشه ، كما لو قالت : اخلعني على هذا العبد ، فخلعها ، وفي " الترغيب " في رجوعه بأرشه وجهان ، وأنه لو بان مباح الدم بقصاص أو غيره فقتل ، فذكر القاضي - وهو المذهب - أنه يرجع بأرش عيبه ، وذكر ابن البنا : يرجع بقيمته ( وإن خرج مغصوبا ) أو حرا ( لم يقع الطلاق عليها ) على المذهب; لأن العطية إنما تتناول ما يصح تمليكه وما لا يصح تمليكه; لأنه لا يكون عطية له ، فإذا لم يوجد شرط الطلاق ( وعنه : يقع ، وله قيمته ) ، جزم به في " الروضة " وغيرها; لأنه معاوضة بالبضع ، فلا يفسد بفساد العوض كالنكاح ، فعلى هذا يرجع عليها بقيمته; لأنه لم يرض بغير عوض ، والصحيح [ ص: 237 ] أنها لا تطلق ، ولا يستحق القيمة; لأنها لا تطلق بعطية المغصوب والحر; لأن العطية هنا التمليك ، بدليل حصوله فيما إذا كان العبد مملوكا لها ( وكذلك في التي قبلها ) ; لأنهما سواء معنى ، فكذا يجب أن يكونا حكما .
فرع : إذا خالعها على عبد موصوف في الذمة ، فأعطته إياه معيبا - بانت ، وله طلب عبد سليم بتلك الصفة ، وإن أعطته قيمته لزمه قبولها ، وقال ابن حمدان : له مهر المثل ، فإن خالعها على عبد بعينه ، ثم أعتقته - لم يصح ، وقيل : بلى ، وعليها قيمته ، فإن باعته ولم يعلم ، فعليها قيمته ، وقيل : يبطل البيع .
( وإن قال : إن أعطيتني ثوبا هرويا فأنت طالق ، فأعطته مرويا - لم تطلق ) ; لأن الصفة التي علق عليها الطلاق لم توجد ، وإن خالعته على مروي في الذمة ، فأتته بهروي - صح ، وخير ، وإن خالعها على ثوب على أنه قطن فبان كتانا - رده ، ولم يكن له إمساكه; لأنه جنس آخر ، وكل موضع علق طلاقها على عطيتها إياه فمتى أعطته على صفة يمكنه القبض - وقع الطلاق ، سواء قبضه منها أو لا ، فإن هرب الزوج ، أو غاب قبل عطيتها ، أو قالت : يضمنه لك زيد ، أو أجعله قصاصا بما لي عليك ، أو أحالته به - لم يقع الطلاق ، وكذلك كل موضع تعذر العطية فيه ، سواء كان التعذر من جهتها ، أو من جهته ، أو من جهة غيرهما; لانتفاء الشرط . ولو قالت : طلقني بألف ، فطلقها - استحق الألف ، وبانت ، وإن لم تقبض ، نص عليه; لأن هذا ليس تعليقا على شرط بخلاف الأول .
فرع : إذا تخالعا على حكم أحدهما أو غيرهما ، أو بمثل ما خالع به زيد زوجته - صح بالمسمى ، وقيل : بل بمهرها ، وقيل : بل بمهر مثلها ( وإن خالعته على هروي ، [ ص: 238 ] فبان مرويا - فله الخيار بين رده ) ; لأنه غير المعقود عليه ( وإمساكه ) ; لأنه من الجنس ، ولأن مخالفة الصفة بمنزلة العيب في جواز الرد ( وعند أبي الخطاب : ليس له غيره إن وقع الخلع على عينه ) ; لأن الخلع واقع على عينه ، وقوله الأول مشعر بأن الخلع واقع على غير العين ، وفي اشتراط وقوع الخلع على عينه عند أبي الخطاب ينفيه ، ويؤذن بأن الكلام الأول عام ، إذ لو كان خاصا بالخلع على عين الثوب لم يكن في اشتراط وقوع الخلع على العين عند أبي الخطاب فائدة .