وأدوات الشرط ستة : إن ، وإذا ، ومتى ، ومن ، وأي ، وكلما ، وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما ، وفي متى وجهان ، وكلها على التراخي إذا تجردت عن " لم " ، فإن اتصل بها صارت على الفور ، إلا " أن " ، وفي " إذا " وجهان .
فإذا قال : إن قمت ، أو إذا قمت ، أو من قامت منكن ، أو أي وقت قمت ، أو متى قمت ، أو كلما قمت فأنت طالق ، فمتى قامت طلقت ، وإن تكرر القيام لم يتكرر الطلاق ، إلا في " كلما " ، وفي " متى " في أحد الوجهين ، ولو قال : كلما أكلت رمانة فأنت طالق ، أو كلما أكلت نصف رمانة فأنت طالق ، فأكلت رمانة - طلقت ثلاثا ، وإن علق طلاقها على صفات ثلاث ، فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول : إن رأيت رجلا فأنت طالق ، وإن رأيت فقيها فأنت طالق ، وإن رأيت أسود فأنت طالق ، فرأت رجلا أسود فقيها - طلقت ثلاثا ، وإن قال : إن لم أطلقك فأنت طالق ، ولم يطلقها لم تطلق إلا في آخر جزء من حياة أحدهما ، إلا أن تكون له نية ، وإن قال : من لم أطلقها ، أو أي وقت لم أطلقك فأنت طالق ، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه - طلقت ، وإن قال : إذا لم أطلقك فأنت طالق ، فهل تطلق في الحال ؛ على وجهين ، وإن قال : كلما لم أطلقك فأنت طالق ، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها - طلقت ثلاثا ، إلا التي لم يدخل بها ، فإنها تبين بالأولى ، وإن قال العامي : أن دخلت الدار فأنت طالق - بفتح الهمزة - فهو شرط ، وإن قاله عارف بمقتضاه ، طلقت في الحال ، وحكي عن الخلال أنه إن لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا ، وإن قال : إن قمت وأنت طالق ، طلقت في الحال ، فإن قال : أردت الجزاء ، أو أردت أن أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ، ثم أمسكت ، وهل يقبل في الحكم ؛ يخرج على روايتين وإن قال : إن قمت فقعدت فأنت طالق ، أو إن قعدت إذا قمت ، أو إن قعدت إن قمت - لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد ، وإن قال : إن قمت وقعدت فأنت طالق - طلقت بوجودهما كيفما كانا ، وعنه : تطلق بوجود أحدهما ، إلا أن ينوي ، والأول أصح ، وإن قال : إن قمت أو قعدت فأنت طالق - طلقت بوجود أحدهما .
( وأدوات الشرط ستة ) كذا وقع بخط المؤلف ، والوجه ست ، ويمكن [ ص: 327 ] تخريجه على الحمل على المعنى على تأويل الأدوات بالألفاظ ، أو هو جمع لفظ وهو مذكر ، نظيره قول الشاعر :
ثلاثة أنفس وثلاث ذود لقد جار الزمان على عيالي
والنفس مؤنثة ، لكن أريد بها الإنسان ، وليس المراد حصر أدوات الشرط فيها ، فإن غيرها أداة له كـ " ما " ، وإنما خص الستة بالذكر ؛ لأنها غالب ما تستعمل له ( إن ، وإذا ، ومتى ، ومن ، وأي ، وكلما ، وليس فيها ما يقتضي التكرار إلا كلما ) بغير خلاف نعلمه ؛ لقوله تعالى : كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله [ المائدة : 64 ] و : كلما دخلت أمة لعنت أختها [ الأعراف : 38 ] ( وفي متى وجهان ) أحدهما : تستعمل للتكرار ، قال الشاعر :
متى تأته تعشو إلى ضوء ناره تجد خير نار عندها خير موقد
ولأنها تستعمل للشرط والجزاء ، ومتى وجد الشرط ترتب عليه جزاؤه ، والثاني : لا يقتضيه ، وجزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " ؛ لأنها اسم زمن بمعنى أي وقت ، وبمعنى إذا ، وكونها تستعمل للتكرار لا يمنع استعمالها في غيره كإذا ، وأي وقت ، فإنهما يستعملان في الأمرين ، كقوله تعالى : وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا [ الأنعام : 68 ] وإذا لم تأتهم بآية [ الأعراف : 203 ] وكذلك أي وقت ، وأي زمان ، فإنهما يستعملان للتكرار ، وسائر الحروف يجازى بها إلا أنها لما كانت تستعمل للتكرار وغيره ، فلا تحمل على التكرار إلا بدليل .
( وكلها على التراخي إذا تجردت عن " لم " ) أو نية الفور ، أو قرينته ؛ لأنها [ ص: 328 ] مستعملة فيه ، لكون أنها لا تقتضي وقتا إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في وقت ، فهي مطلقة في الزمان كله ( فإن اتصل بها صارت على الفور ) ؛ لأن " متى " و " أي " معناهما : أي زمان ، وذلك شائع في الزمان كله ، فأي زمن وجدت الصفة فيه وجب الحكم بوقوع الطلاق ، ولا بد أن يلحظ في " أي " كونها مضافة إلى زمن ، فإن أضيفت إلى شخص كان حكمها حكم " من " ، وظاهره : أن " من " للفور ، وصرح به في " المغني " ، وفيه نظر ؛ لأن " من " لا دلالة لها على الزمان إلا ضرورة أن الفعل لا يقع إلا في زمان ، فهي بمنزلة " أي " ، فيجب ألا تكون على التراخي ، مع أن صاحب " المحرر " حكى في " من " و " أي " المضافة إلى الشخص وجهين ، ويتوجهان في مهما ، فإن اقتضت فورا فهي في التكرار كـ " متى " ، وأما " كلما " فدلالتها على الزمن أقوى من دلالة " أي " و " متى " ، فإذا صارتا للفور عند اتصالهما بلم ، فلأن تصير " كلما " كذلك بطريق الأولى ( إلا " أن " ) أي : مع عدم نية أو قرينة ، فإذاقال : إن لم تدخلي الدار فأنت طالق - لم يقع إلا عند تعذر إيقاعه بموت أو ما يقوم مقامه ( وفي " إذا " وجهان ) أحدهما : أنها على التراخي ، نصره القاضي ؛ لأنها تستعمل شرطا بمعنى " إن " كقول الشاعر :
وإذا تصبك خصاصة فتجمل
.
فجزم بها كـ " إن " ؛ ولأنها تستعمل بمعنى " متى " و " إن " ، فلا يقع بالشك ، والثاني : على الفور وهو أشهر ؛ لأنها اسم لزمن مستقبل ، فيكون كمتى ، فأما المجازاة بها ، فلا تخرجها عن موضوعها .
مسألة : قد علم حكم المعلق بالشرط ، وأنها لا تطلق قبل وجوده ، وعنه : يحنث بعزمه على الترك ، وجزم به في " الروضة " ؛ لأنه أمر موقوف على القصد ، والقصد [ ص: 329 ] هو النية ؛ ولهذا لو فعله ناسيا أو مكرها ، لم يحنث لعدم القصد ، فأثر فيه تعيين النية كالعبادات من الصلاة والصيام إذا نوى قطعهما - ذكره في " الواضح " .
تذنيب : قولهم الأدوات الأربع في النفي على الفور صحيح في " كلما " و " أي " و " متى " ، فإنها تعم الزمان بخلاف " من " ؛ لأنها ليست من أسماء الزمان ، وإنما تعم الأشخاص ، فلا يظهر أنها تقتضي الفور ، فعلى هذا إذا قال : من لم أطلقها منكن فهي طالق ، لم تطلق واحدة منهن إلا أن يتعذر طلاقها ، أو ينوي وقتا أو تقوم قرينة بفور ، فيتعلق به .
( وإن علق طلاقها على صفات ثلاث ، فاجتمعن في عين واحدة مثل أن يقول : إن رأيت رجلا فأنت طالق ، وإن رأيت فقيها فأنت طالق ، وإن [ ص: 330 ] رأيت أسود فأنت طالق ، فرأت رجلا أسود فقيها - طلقت ثلاثا ) لوجود الصفات الثلاث فيه ، أشبه ما لو رأت ثلاثة فيهم الثلاث صفات .
( وإن قال : إن لم أطلقك فأنت طالق ، ولم يطلقها لم تطلق ) ؛ لأن " إن لم " لا تقتضي الفور ( إلا في آخر جزء من حياة أحدهما ) أي : أحد الزوجين ؛ لأنه لا يمكن إيقاع الطلاق بها بعد موت أحدهما ، فتبين أنه يقع لجواز أن يطلقها قبل موته أو موتها ( إلا أن تكون له نية ) فيعمل بها ؛ لأنه نوى الطلاق بقول صالح ، فوجب أن يقع عملا بالمقتضي السالم عن المعارض ، وكذا إذا دلت على الفور ، وفي " الإرشاد " رواية : يقع بعد موته ، وأيهما مات قبل إيقاعه ، وقع الحنث بموته ، وورثه صاحبه إذا كان أقل من ثلاث ، وإن كان ثلاثا ورثته ولم يرثها هو ، ولا يرث ثانيا وترثه ، ويتخرج لا ترثه من تعليقه في صحته على فعلها ، فيوجد في مرضه ، والفرق ظاهر ، وفي " الروضة " : في إرثهما روايتان ؛ لأن الصفة في الصحة والطلاق في المرض ، وفيه روايتان .
( وإن قال : من لم أطلقها أو أي وقت لم أطلقك ) أو متى لم أطلقك [ ص: 331 ] ( فأنت طالق ، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه - طلقت ) في الحال ؛ لوجود الصفة ، فإنها اسم لوقت الفعل ، فيقدر بهذا ، أو لهذا يصح به السؤال فيقال : متى دخلت أو أي وقت دخلت ، وأما " من " فتقتضي الفور ، وحينئذ يتحقق الطلاق بمضي زمن عقيب اليمين إذا لم يطلق ؛ لأن شرطه يتحقق حينئذ ، فيلزم منه الطلاق ضرورة أن وجود الشرط يستلزم وجود المشروط ، وفي وجه أن حكم من لم أطلقها أو إذا لم أطلقك ، أو أيتكن لم أطلقها كحكم " إن لم أطلقك " .
( وإن قال : إذا لم أطلقك فأنت طالق ، فهل تطلق في الحال ) أو في آخر جزء من حياة أحدهما ؛ ( على وجهين ) بناء على أنها للفور أو على التراخي ( وإن قال : كلما لم أطلقك فأنت طالق ، فمضى زمن يمكن طلاقها فيه ثلاثا ولم يطلقها - طلقت ثلاثا ) ؛ لأن " كلما " تقتضي التكرار ، فيقتضي تكرار الطلاق بتكرر الصفة ، والصفة عدم طلاقه لها ، فإذا مضى زمن يمكن فيه أن يطلقها ولم يفعل ، فقد وجدت الصفة ، فيقع واحدة ، وثانية ، وثالثة ، إذا كانت مدخولا بها ( إلا التي لم يدخل بها ، فإنها تبين بالأولى ) ولم يقع شيء بعدها ؛ لأن البائن لا يقع عليها طلاق ( وإن قال العامي : أن دخلت الدار فأنت طالق - بفتح الهمزة - فهو شرط ) ؛ لأن العامي لا يريد به إلا الشرط ، ولا يعرف أن مقتضاها التعليل ، فلا يريده ، فلا يثبت له حكم ما لا يعرفه وكنيته ( وإن قاله عارف بمقتضاه ، طلقت في الحال ) ؛ لأن " أن " للتعليل لا للشرط ؛ لقوله تعالى : يمنون عليك أن أسلموا [ الحجرات 17 ] وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمن ولدا [ مريم : 90 ] [ ص: 332 ] قال القاضي : وهذا التفصيل قياس المذهب ( وحكي عن الخلال أنه إن لم ينو مقتضاه فهو شرط أيضا ) ؛ لأن الطلاق يحمل على العرف ، فإذا لم ينو مقتضاه ، استوى العارف وغيره ، وفيه وفي " الترغيب " وجه يقع إذن ، ولو لم يوجد كتطليقها لرضى أبيها ، يقع ، كان فيه رضاه أو سخطه ، وأطلق جماعة عن أبي بكر فيهما : يقع إذن ولو بدل " أن " كهي ، وفي " الكافي " : يقع إذن كإذ ، ذكره في " الكافي " و " الشرح " ، وفيها احتمال كأمس .
فرع : إذا قال : إن دخلت الدار أنت طالق ، فهو شرط ، قدمه في " المحرر " و " الرعاية " ، كما لو قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، وإنما حذفت الفاء لحذف المبتدأ أو الخبر ؛ لدلالة باقي الكلام عليه ، وفي " الكافي " احتمال يقع في الحال ؛ لأن جواب الشرط إذا تأخر عنه ، لم يكن إلا بالفاء أو إذا ، وقيل : إن نوى الشرط وإلا طلقت في الحال .
( وإن قال : إن قمت وأنت طالق ، طلقت في الحال ) ؛ لأن الواو ليست جوابا للشرط ؛ لأن معناه : أنت طالق في كل حال ؛ لقوله - عليه السلام - : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340505من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، وإن زنى وإن سرق وفي " الفروع " كالفاء ( فإن قال : أردت الجزاء ، أو أردت أن أجعل قيامها وطلاقها شرطين لشيء ، ثم أمسكت ) دين ؛ لأنه محتمل ، وهو أعلم بمراده من غيره ( وهل يقبل في الحكم ؛ يخرج على روايتين ) كذا أطلقهما في " الفروع " وغيره ، أشهرهما القبول فيه لما ذكرنا ، والثانية : لا ؛ لأنه خلاف الظاهر ، فلو جعل له جزاء بأن قال : إن قمت ، أنت طالق ، فعبدي حر - صح ، ولم يعتق العبد حتى يقوم ، وهي طالق ؛ لأن الواو هنا للحال ، فلو قال : [ ص: 333 ] إن قمت طالقا ، فقامت وهي طالق طلقت أخرى ، وإن قامت وهي غير طالق لم تطلق ؛ لأن هذا حال ، فجرى مجرى قوله : إن قمت ساكتة .
( وإن قال : إن قمت فقعدت فأنت طالق ، أو إن قعدت إذا قمت ، أو إن قعدت إن قمت - لم تطلق حتى تقوم ثم تقعد ) ؛ لأن القعود شرط يتقدم مشروطه ، وكذا إن قال : إن قمت ثم قعدت ؛ لأن الفاء وثم للترتيب ، وذكر القاضي في " إن " كالواو بناء على أن فيه عرفا ، وذكر جماعة في الفاء وثم رواية كالواو .
تتمة : إذا قال : أنت طالق إن أكلت إذا أو إن أو متى لبست - لم تطلق حتى تلبس ثم تأكل ، وتسميه النحاة اعتراض الشرط على الشرط ، فيقتضي تقديم المتأخر وتأخير المتقدم ؛ لأنه جعل الثاني في اللفظ شرطا للذي قبله ، والشرط يتقدم المشروط ، كقوله تعالى : ولا ينفعكم نصحي [ هود : 34 ] الآية ، وقال القاضي : إذا كان الشرط بإذا كقولنا وفيما إذا قال : إن شربت إن أكلت أنها تطلق بوجودهما كيفما وجدا ؛ لأن أهل العرف لا تعرف ما يقوله أهل العربية في هذا ، فقال المؤلف : والأول أصح ، وليس لأهل العرف في هذا عرف .
( وإن قال : إن قمت وقعدت فأنت طالق - طلقت بوجودهما كيفما كانا ) [ ص: 334 ] ولا تطلق بوجود أحدهما ؛ لأنها للجمع لا للترتيب ( وعنه : تطلق بوجود أحدهما ) ؛ لأن الحالف على فعل شيء يحنث بفعل بعضه على رواية ، وكإن قمت ، وإن قعدت ( إلا أن ينوي ) فعل الأمرين ؛ لأنه حينئذ لا يحنث بفعل أحدهما ؛ لأن الخلاف في بعض المحلوف إنما هو عند الإطلاق ، أما إذا نوى الكل فلا يحنث بفعل البعض ، رواية واحدة ( والأول أصح ) ؛ لأن هذه الرواية تخالف الأصول والقواعد ، فإنه لا خلاف أن الحكم المعلق بشرطين لا يثبت إلا بهما ( وإن قال : إن قمت أو قعدت فأنت طالق - طلقت بوجود أحدهما ) ؛ لأن " أو " تقتضي تعليق الجزاء على واحد ، كقوله تعالى : فمن كان منكم مريضا أو على سفر [ البقرة : 184 ] .