وإن كان على سلم ، فحلف : لا صعدت إليك ، ولا نزلت إلى هذه ، ولا أقمت مكاني ساعة ، فلتنزل العليا ، ولتصعد السفلى ، فتنحل يمينه ، وإن حلف : لا أقمت عليه ، ولا نزلت منه ، ولا صعدت فيه ، فإنه ينتقل إلى سلم آخر ، وإن حلف : لا أقمت في هذا الماء ، ولا خرجت منه ، فإن كان جاريا لم يحنث ، إذا نوى ذلك الماء بعينه ، وإن كان واقفا ، حمل منه مكرها .
وإن استحلفه ظالم : ما لفلان عندك وديعة ؛ ، وكانت له عنده وديعة ، فإنه يعني بـ " ما " : الذي ، ويبر في يمينه .
( ومعنى التأويل : أن يريد بلفظه ما يخالف ظاهره ) مثل أن يحلف أنه أخي يريد أخوة الإسلام ، وبالسقف والبناء : السماء ، وبالبساط والفراش : الأرض ، وبالأوتاد : الجبال ، وباللباس : الليل ، أو يقول : ما رأيت فلانا ، أي : ما ضربت رئته ، وما ذكرته ، أي : ما قطعت ذكره ، وكقوله : جواري أحرار ، يعني : سفنه ، ونسائي طوالق ، أي : أقاربه ، أو يقول : ما كاتبت فلانا ، ولا عرفته ، ولا علمته ، ولا سألته حاجة ، ولا أكلت له دجاجة ولا فروجة ، ولا شربت له ماء ، ولا في بيتي فراش ، ولا حصير ، ولا بارية ، ويعني بالمكاتبة : مكاتبة الرقيق ، وبالتعريف : جعله عريفا ، وبالإعلام : جعله أعلم الشفة ، والحاجة : الشجرة الصغيرة ، والدجاجة : الكبة من الغزل ، والفروجة : الدراعة ، والفرش : صغار الإبل ، والحصير : الجيش ، والبارية : السكين التي يبرى بها ، فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه ، إذا عناه بيمينه فهو تأويل ؛ لأنه خلاف الظاهر .
وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : nindex.php?page=hadith&LINKID=10340512إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب رواه الترمذي ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16972محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف ، خص الظريف بذلك ، يعني به : الكيس الفطن ، فإنه يفطن التأويل ، فلا حاجة إلى الكذب ، فإن كان لا ظالما ولا مظلوما ، فظاهر كلام أحمد : أن له تأويله ؛ لأنه - عليه السلام - كان يمزح ولا يقول إلا حقا ومزاحه أن يوهم السامع بكلامه غير ما عناه ، وهو التأويل ، فقال - عليه السلام - لعجوز : لا تدخل الجنة عجوز يعني : أن الله تعالى ينشئهن أبكارا عربا أترابا .
السابعة : لو سئل عن طعم نجو الآدمي ، قيل : إنه - أولا - حلو لسقوط الذباب عليه ، ثم حامض لأنه يدود ، ثم مر لأنه يلدح .
( فإذا أكلا تمرا ، فحلف : لتخبرني بعدد ما أكلت ، أو لتميزن نوى ما أكلت ، فإنها تفرد كل نواة وحدها ، وتعد من واحد إلى عدد يتحقق دخول ما أكل فيه ) ولا يحنث إذا كان نيته ذلك ، وإن نوى الإخبار بكميته من غير زيادة ولا نقص [ ص: 377 ] لم يبرأ إلا بذلك ، وإن أطلق ، فقياس المذهب أنه كذلك ؛ لأن الأيمان تنبني على المقاصد ، إلا أن تكون حيلة فيحنث .
( وإن حلف ليقعدن على بارية في بيته ، ولا تدخله بارية ، فإنه يدخل قصبا وينسجه فيه ) ويجلس عليها في البيت ، ولا يحنث ؛ لأنه لم يدخله بارية ، وإنما أدخله قصبا . وفي " المحرر " : وإن حلف لا يدخل بيته بارية ، فأدخل قصبا لذلك ، فنسجت فيه - حنث ، وإن طرأ قصده والقصب فيها فوجهان ( وإن حلف ليطبخن قدرا برطل ملح ويأكل منه فلا يجد طعم الملح ، فإنه يسلق فيه بيضا ) ؛ لأن الصفة وجدت لكون أن الملح لا يدخل في البيض .
( وإن حلف : لا أقمت عليه ، ولا نزلت منه ، ولا صعدت فيه ، فإنه ينتقل [ ص: 378 ] إلى سلم آخر ) فتنحل يمينه ؛ لأنه إنما نزل أو صعد من غيره .
( وإن حلف : لا أقمت في هذا الماء ، ولا خرجت منه ، فإن كان جاريا لم يحنث ) ؛ لأن الماء المحلوف عليه جرى ، وصار في غيره ، فلم يحنث ، سواء أقام أو خرج ؛ لأنه إنما يقف في غيره أو يخرج منه ، ذكره القاضي في " المجرد " ؛ لأن الأيمان تنبني على اللفظ لا على القصد ، وقال في موضع آخر : قياس المذهب أنه لا يحنث ( إذا نوى ذلك الماء بعينه ) ؛ لأن ذلك الماء بعينه يصدق أنه ما أقام فيه ولا خرج منه ضرورة كونه جاريا ، فلم تحصل المخالفة في المحلوف عليه ( وإن كان واقفا ، حمل منه مكرها ) لئلا ينسب إليه فعل .
( وإن استحلفه ظالم : ما لفلان عندك وديعة ؛ ، وكانت له عنده وديعة ، فإنه يعني بـ " ما " : الذي ) أي : الموصولة ، أو ينوي غير الوديعة ، أو غير مكانها ، أو يستثنى بقلبه ( ويبر في يمينه ) ؛ لأنه صادق .
( وإن حلف له : ما فلان هاهنا ، وعنى موضعا معينا - بر في يمينه ) لصدقه في ذلك ، وروي أن مهنا والمروذي كانا عند أحمد ، فجاء رجل يطلب المروذي ، ولم يرد المروذي أن [ ص: 379 ] يكلمه ، فوضع مهنا إصبعه في كفه ، وقال : ليس المروذي هاهنا ، يريد : ليس هو في كفه ، فلم ينكره أحمد .
( وإن حلف على امرأته : لا سرقت مني شيئا ، فخانته في وديعته - لم يحنث ) ؛ لأن الخيانة ليست بسرقة ( إلا أن ينوي ) ذلك ، فيحنث ؛ لأن اللفظ صالح أن يراد به ذلك ، وقد نواه ، فوجب الحنث ضرورة المخالفة في المحلوف عليه ، أو يكون له سبب .