وإن قال لامرأتيه : إحداكما طالق - ينوي واحدة معينة - طلقت وحدها ، وإن لم ينو ، أخرجت المطلقة بالقرعة وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها ، فكذلك عند أصحابنا ، وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة - ردت إليه في ظاهر كلامه ، إلا أن تكون قد تزوجت ، أو تكون بحكم حاكم ، وقال أبو بكر وابن حامد : تطلق المرأتان .
والصحيح : أن القرعة لا مدخل لها هاهنا ، وتحرمان عليه جميعا ، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية .
وإن طار طائر ، فقال : إن كان هذا غرابا ففلانة طالق ، وإن لم يكن غرابا ففلانة طالق ، فهي كالمنسية ، وإن قال : إن كان غرابا ففلانة طالق ، وإن كان حماما ففلانة طالق - لم تطلق واحدة منهما إذا لم يعلم ، وإن قال : إن كان غرابا فعبدي حر ، وقال آخر : إن لم يكن غرابا فعبدي حر ، ولم يعلماه ، لم يعتق عبد واحد منهما ، وإن اشترى أحدهما عبد الآخر ، أقرع بينهما حينئذ ، وقال القاضي : يعتق الذي اشتراه .
( وإن قال لامرأتيه : إحداكما طالق - ينوي واحدة معينة - طلقت وحدها ) ؛ لأنه عينها بنيته ، أشبه ما لو عينها بلفظه ، فإن قال : أردت فلانة - قبل ؛ لأن ما قاله محتمل ، ولا يعرف إلا من جهته ( وإن لم ينو ، أخرجت المطلقة بالقرعة ) نص عليه في رواية جماعة ، روي عن علي ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، ولا مخالف لهما في [ ص: 383 ] الصحابة ، وقاله الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ؛ ولأنه إزالة ملك بني على التغليب والسراية كالعتق ، وقد ثبت الأصل بقرعته - عليه السلام - بين العبيد الستة ؛ ولأن الحق لواحد غير معين ، فوجب تعيينه بقرعة كإعتاق عبيده في مرضه ، وكالسفر بإحدى نسائه ، وكالمنسية ، وعنه : يعين أيتهما شاء ، وقاله أكثر العلماء ، وذكرها بعضهم في العتق ؛ لأنه لا يمكن إيقاعه ابتداء ، ويعينه ، فإذا أوقعه ولم يعينه - ملك تعيينه ؛ لأنه استيفاء ما ملكه ، وقال قتادة : يطلقن جميعا ، ورد بأنه أضاف الطلاق إلى واحدة فلم تطلق الجميع كما لو عينها .
فرع : لا يطأ إحداهما قبل القرعة أو التعيين ، وهل وطء إحداهما تعيين لغيرها ؛ قال ابن حمدان : يحتمل وجهين ، والأصح : أنه ليس تعيينا لغيرها ، ولا يقع بالتعيين ، بل يتبين وقوعه في المنصوص ، فإن مات أقرع الورثة ، فمن قرعت لم تورث - نص عليه .
تنبيه : إذا قال : امرأتي طالق ، أو أمتي حرة ، ونوى معينة - انصرف إليها ، وإن نوى مبهمة فهي مبهمة فيهن ، وإن لم ينو شيئا فالمذهب : تطلق نساؤه ، وتعتق إماؤه ، روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ؛ لأن الواحد المضاف يراد به الكل لقوله تعالى : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها [ إبراهيم : 34 ] وقال الجماعة : يقع على واحدة مبهمة ، كما لو قال : إحداكما طالق ؛ لأن لفظ الواحد لا يستعمل في الجميع إلا مجازا ، ولو احتمل وجب صرفه على الواحدة ؛ لأنها اليقين ، وما زاد مشكوك فيه ، قال في " الشرح " : وهذا أصح .
[ ص: 384 ] ( وإن طلق واحدة بعينها وأنسيها ، فكذلك عند أصحابنا ) أي : ذهب أكثر الأصحاب إلى أنه إذا طلق امرأة من نسائه وأنسيها أنها تخرج بالقرعة ، قال في " المحرر " : هو المشهور ؛ لأنه بعد النسيان لا تعلم المطلقة منهما ، فوجب أن تشرع القرعة فيها ، وحينئذ تجب النفقة حتى يقرع ، وقد روى إسماعيل بن سعيد عن أحمد : أن القرعة لا تستعمل هنا لمعرفة الحل ، وإنما تستعمل لبيان الميراث .
قال في " الشرح " : لا ينبغي أن يثبت الحل بالقرعة ، وهو قول أكثر أهل العلم ، فالكلام إذا في شيئين : أحدهما : في استعمال القرعة في المنسية في التوريث ، الثاني : استعمالها في الحل ، فالأول جائز ؛ لأن الحقوق إذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز إلا بالقرعة - صح ، كالشركاء في القسمة ، وأما الثاني فلا يصح استعمالها ؛ لأنها اشتبهت زوجته بأجنبية ، فلم تحل إحداهما بالقرعة ( وإن تبين أن المطلقة غير التي خرجت عليها القرعة - ردت إليه في ظاهر كلامه ) ؛ لأنه ظهر أنها غير مطلقة ، والقرعة ليست بطلاق ولا كناية ، وهذا إذا لم تكن تزوجت ؛ لأنه أمر لا يعرف إلا من جهته ، فقبل قوله ( إلا أن تكون قد تزوجت ) ؛ لأنها قد تعلق بها حق الزوج الثاني ( أو تكون ) القرعة ( بحكم حاكم ) نص عليه في رواية الميموني ؛ لأن قرعة الحاكم بينهما حكم بالتفريق ، وليس لأحد رفع ما حكم به الحاكم ، قال ابن أبي موسى : وفي هذا دليل على أن لحكم الحاكم تأثيرا في التحريم ( وقال أبو بكر وابن حامد ) وقدمه في " الرعاية " : ( تطلق المرأتان ) أما المطلقة فحقيقة ، وأما التي خرجت بالقرعة فلأن الطلاق إذا [ ص: 385 ] وقع يستحيل رفعه ؛ ولأنها حرمت عليه بقوله ، وترثه إن مات ولا يرثها ، وعلى قولهما يلزمه نفقتها ، ولا يحل له وطؤها ، والأولى بالقرعة ، قاله في " الشرح " ، وذكر في " الرعاية " على قولهما : إن مات قبلها أقرع الورثة ، فمن قرعت لم ترث ، وإن ماتتا ، أو إحداهما قبله ، فمن قرعت لم يرثها مع طلاق بائن ( والصحيح ) عند المؤلف ، وهو رواية ( أن القرعة لا مدخل لها هاهنا ) أي : في المعينة المتقدم ذكرها ( وتحرمان عليه جميعا ، كما لو اشتبهت امرأته بأجنبية ) ؛ ولأن القرعة لا تزيل حكم المطلقة ، ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليها ؛ لأنه لو ارتفع لما عاد إذا تبين أنها مطلقة ، وفارق ما قاسوا عليه ، فإن الحق لم يثبت لواحد بعينه .
تنبيه : إذا طلق واحدة لا بعينها ، أو بعينها ، ثم نسيها ، فانقضت عدة الجميع ، فله نكاح خامسة قبل القرعة في الأصح ، ومتى علمناها بعينها ، فعدتها من حين طلقها ، وقيل : من حين التعيين ، فإن مات الزوج قبل التعيين ، فعلى الجميع عدة الوفاة عند أهل الحجاز والعراق ، والصحيح : أنه يلزم كل واحدة الأطول من عدة وفاة أو طلاق .
( وإن اشترى أحدهما عبد الآخر ، أقرع بينهما حينئذ ) قاله أبو الخطاب ، ونصره في " الشرح " ؛ لأن العبدين صارا له ، وقد علم عتق أحدهما لا بعينه ، فيعتق لقرعة ، إلا أن يكون أحدهما أقر أن الحانث صاحبه ، فيؤخذ بإقراره .
( وقال القاضي ) وقدمه في " الرعاية " ( يعتق الذي اشتراه ) ؛ لأنه ينكر حنث نفسه ، وذلك يقتضي حنث رفيقه في الحلف ، فيكون مقرا بحريته ، فإذا اشتراه وجب الحكم عليه بالعتق ، ولم يفرق المؤلف بين ما إذا اشتراه بعد أن أنكر حنث نفسه ، وبين شرائه قبل أن ينكر ، وفرق بينهما في " المغني " ، وقال في " المحرر " : فاشترى أحدهما نصيب صاحبه ، وقيل : إنما يعتق إذا تكاذبا ، وإلا أحدهما بالقرعة ، وهو الأصح ، وولاء المبيع إن عتق لبيت المال ، وقيل : للمشتري .
مسألة : إذا زوج بنتا من ثلاث ، ثم مات ، وجهلت ، حرمن ، ونقل أبو طالب وحنبل : تخرج بقرعة ، قال القاضي وأبو الخطاب : وكذا يجيء إذا اختلطت أخته بأجنبيات ، وفي " عيون المسائل " : لا يجوز اعتبار ما لو اختلط ملكه بملك لأجنبي ما لو اختلط ملكه بملكه ؛ لأنه إذا اختلط عبده بعبد غيره لم يقرع .