وإذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة ، وهي الجماع فجامع انحلت يمينه وعليه كفارتها . وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة في الفرج ، وإن وطئها دون الفرج أو في الدبر لم يخرج من الفيئة ، وإن وطئها في الفرج وطئا محرما - مثل أن يطأ حالة الحيض أو النفاس أو صيام فرض - من أحدهما فقد فاء إليها ; لأن يمينه انحلت به . وقال أبو بكر : الأصح أنه لا يخرج من الفيئة . وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها ويحتمل ألا يسقط ولها المطالبة بعد ، وإن لم تعفه أمر بالطلاق ، فإن طلق واحدة فله رجعتها . وعنه : أنها تكون بائنة ، وإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين ، والأخرى يطلق عليه الحاكم ، فإن طلقها واحدة فهو كطلاق المؤلي ، وإن طلق ثلاثا أو فسخ صح ذلك ، وإن ادعى أن المدة لم تنقض أو أنه وطئها وكانت ثيبا ، فالقول قوله ، وإن كانت بكرا وادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل ، فالقول قولها وإلا فالقول قوله ، وهل يحلف من القول قوله ؛ على وجهين .
( وإذا لم يبق له عذر وطلبت الفيئة ، وهي الجماع ) بغير خلاف . وأصل الفيء الرجوع إلى فعل ما تركته ، والفيئة بكسر الفاء مثل الصيغة ذكره في الصحاح ( فجامع ) القادر عليه إن حل وطؤها ، وقيل - ذكره ابن عقيل رواية - وطئا مباحا ، لا في حيض ونحوه ، ( انحلت يمينه ) لتحقق حنثه ( وعليه كفارتها ) في قول أكثر العلماء لعموم النص . وقال الحسن : لا كفارة عليه . قال قتادة : الحسن قد خالف الناس .
فرع : إذا كفر عن يمينه بعد المدة قبل الوطء ، أو استدخلت ذكره وهو [ ص: 26 ] نائم ، أو وطئها ناسيا يمينه أو في حال جنونه ، وقلنا لا يحنث ، فهل ينحل إيلاؤه ؛ ، على وجهين وفي المذهب يفي بما يبيحها لزوج أول ، والجاهل كالناسي في الحنث . ( وأدنى ما يكفيه تغييب الحشفة ) أو قدرها ( في الفرج ) لأن أحكام الوطء تتعلق به . وظاهره ولو من مكره وناس ونحوهما . ( وإن وطئها دون الفرج ، أو في الدبر لم يخرج من الفيئة ) لأنه ليس بمحلوف عليه ، ولا يزول الضرر بفعله . وفي " الرعاية " فما فاء ، ولو حنث بهما في وجه لدخوله في يمينه . ( وإن وطئها في الفرج وطئا محرما مثل أن يطأ حالة الحيض ، أو النفاس ، أو صيام فرض من أحدهما فقد فاء إليها ; لأن يمينه انحلت به ) فزال حكمها وزال الضرر عنها ، وكان كالوطء الحلال ، وكما لو وطئها مريضة . ( وقال أبو بكر : الأصح ) وحكاه في " المغني " و " الشرح " قياس المذهب ( أنه لا يخرج من الإيلاء ) لأنه وطء لا يؤمر به في الفيئة ، فلم يخرج به من الإيلاء كالوطء في الدبر . والذي ذكره لا يصح ; لأن يمينه انحلت ، ولم يبق ممتنعا من الوطء بحكم اليمين ، فلم يبق الإيلاء كما لو كفر يمينه . وقد نص أحمد على من حلف ، ثم كفر يمينه ، لا يبقى مؤليا لعدم حكم اليمين فهذا أولى ، وقد ذكر القاضي في المحرم ، والمظاهر أنهما إذا وطئا فقد وفياها حقها ، بخلاف الوطء في الدبر ; لأنه ليس بمحل للوطء .
مسألتان : الأولى : إذا آلى بعتق ، أو طلاق ، وقع بنفس الوطء ; لأنه معلق بصفة ، وإن لم يفعل فكفارة يمين ، وإن آلى بنذر ، أو صوم ، أو صلاة ، أو حج ، أو غير ذلك من الطاعات ، أو المباحات ، فهو مخير بين الوفاء به وبين التكفير ; لأنه نذر لجاج وغضب ، وهذا حكمه .
[ ص: 27 ] الثانية : إذا آلى بطلاق ثلاث أمر بالطلاق ; لأن الوطء غير ممكن ; لأنها تبين منه بإيلاج الحشفة فيصير مستمتعا بأجنبية ، وذكر المؤلف أن الأليق بالمذهب تحريمه . وعنه لا ، ومتى أولج وتمم ، أو لبث لحقه نسبه ، وفي المهر وجهان ، وقيل : يجب الحد . جزم به في " المستوعب " وفيه ويعزر جاهل ، وفي " المنتخب " فلا مهر ، ولا نسب ، وإن نزع فلا حد ، ولا مهر ; لأنه تارك ، وإن نزع ، ثم أولج . فإن جهلا التحريم ، فالمهر ، والنسب ، ولا حد . والعكس بعكسه ، وإن علمه لزمه المهر ، والحد ، ولا نسب . وإن علمته ، فالحد ، والنسب ، ولا مهر ، وكذا إن تزوجت في عدتها . ( وإن لم يفئ وأعفته المرأة سقط حقها ) وليس لها المطالبة في قياس المذهب قاله القاضي ; لأنها رضيت بإسقاط حقها من الفسخ فسقط حقها منه كامرأة العنين إذا رضيت منه . ( ويحتمل ألا يسقط ولها المطالبة بعد ) أي : متى شاءت ; لأنها ثبتت لدفع الضرر بترك ما يتجدد مع الأحوال كما لو أعسر بالنفقة فعفت عن المطالبة ، ثم طالبت ، وفارق الفسخ للعنة ، فإنه فسخ لعيبه ، فمتى رضيت بالعيب سقط حقها كما لو عفا المشتري عن عيب المبيع ، وإن سكتت عن المطالبة ، ثم طالبت فلها ذلك وجها واحدا ; لأن حقها ثبت على التراخي ، فلم يسقط بتأخير المطالبة كاستحقاق النفقة . ( وإن لم تعفه أمر بالطلاق ) إن طلبت ذلك لقوله تعالى : فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان [ البقرة : 229 ] . فإذا امتنع من أداء الواجب فقد امتنع من الإمساك بالمعروف فيؤمر بالتسريح بالإحسان . ( فإن طلق واحدة فله رجعتها ) سواء كان المؤلي أو الحاكم في الأشهر ; لأنه طلاق صادف مدخولا [ ص: 28 ] بها من غير عوض ولا استيفاء عدد ، فكان رجعيا كالطلاق في غير الإيلاء ويفارق فرقة العنة ; لأنها فسخ لعيب . ( وعنه : أنها تكون بائنة ) وقاله nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور ; لأنها فرقة لدفع الضرر ، فكانت بائنة كالمختلعة . وعنه من حاكم ، لا منه . قال القاضي : المنصوص عن أحمد في فرقة الحاكم أنها تكون بائنا ، وقال الأثرم : فأما تفريق السلطان فليس فيه رجعة كاللعان وعلم منه أن الزوج ، أو الحاكم إذا طلق ثلاثا ، فإنها تحرم عليه ، ولا تحل له إلا بعد زوج وإصابة .
فرع : إذا وقع الطلاق ، ثم ارتجعها ، أو تركها حتى انقضت عدتها ، ثم تزوجها ، أو طلق ثلاثا فتزوجت غيره ، ثم تزوجها ، وقد بقي من مدة الإيلاء أكثر من أربعة أشهر ، وقف لها ; لأنه يمتنع من وطئها بيمين في حال الزوجية أشبه ما لو راجعها . وإن بقي أقل من أربعة أشهر ، ولم يثبت حكم الإيلاء لقصوره عن مدته ( وإن لم يطلق حبس وضيق عليه حتى يطلق في إحدى الروايتين ) . قدمها في " الرعاية " و " الفروع " وجزم بها في " الوجيز " ; لأنه مفض إلى زوال ضرر المرأة المطلوب زواله ، فعليها ليس للحاكم الطلاق ; لأن الزوج إذا خير بين أمرين لم يقم غيره مقامه كاختياره لبعض الزوجات إذا أسلم على أكثر من أربع . ( والأخرى يطلق عليه الحاكم ) قدمها في " الكافي " وصححها في " الشرح " . قال في " الفروع " : وهي أظهر ; لأنه حق تعين مستحقه فدخلت النيابة فيه كقضاء الدين . والفرق بين طلاق الحاكم ، والتخيير أن المستحق من النسوة غير معين ، بخلاف الإيلاء ، ولأنها خيرة تشه ، بخلاف الخيرة هنا ، وليس هو خيرة بين أمرين ; لأنه يؤمر بالفيئة ، ثم بالطلاق . ( فإن طلقها ) [ ص: 29 ] الحاكم ( واحدة ، فهو كطلاق المؤلي ) لأنه نائبه ، وقائم مقامه فوجب أن يكون كحكمه . ( وإن طلق ثلاثا ، أو فسخ صح ذلك ) لأن الحاكم قائم مقام الزوج فملك ما يملكه . وقدم في " التبصرة " أنه لا يملك ثلاثا للمساواة . وعنه : يتعين الطلاق . وعنه : الفسخ ، فإن قال الحاكم : فرقت بينكما فروايتان أنصهما أنه فرقة بغير طلاق ، فلا تحل له إلا بعقد جديد . والأخرى تقع عليه طلقة .
فرع : إذا ادعى عجزه عن الوطء ، ولم يكن علم أنه عنين ، فقيل : لا يقبل قوله . صححه في " الرعاية " ; لأن الأصل سلامته فيؤمر بالطلاق . وقيل : بلى ; لأنه لا يعرف إلا من جهته . ( وإن ادعى أن المدة لم تنقض ) وادعت هي انقضاءها ( أو أنه وطئها ، وكانت ثيبا ، فالقول قوله ) لأن الأصل بقاء النكاح ، والمرأة تدعي رفعه ، فهو يدعي ما يوافق الأصل كما لو ادعى الوطء من العنة وفيه احتمال . وفي اليمين روايتان : إحداهما : يحلف ، اختاره الخرقي للخبر وكالدين ، ولأن ما تدعيه المرأة محتمل فوجب نفيه باليمين ، والثانية : ونص عليها في رواية الأثرم واختارها أبو بكر أنه لا يمين عليه ; لأنه لا يقضى فيها بالنكول . ( وإن كانت بكرا وادعت أنها عذراء فشهدت بذلك امرأة عدل ، فالقول قولها ) لأن قولها اعتضد بالبينة إذ لو وطئها زالت بكارتها . وعنه لا يقبل فيه إلا امرأتان ، وإلا فإن لم يشهد لها أحد بذلك ( وإلا فالقول قوله ) كما لو كانت ثيبا . ( وهل يحلف من القول قوله ؛ ) من الزوج ، والزوجة ( على وجهين ) حكاهما في " الترغيب " فيها والله أعلم .