فصل ومن شرط نفي الولد ألا يوجد دليل على الإقرار به ، فإن أقر به ، أو بتوءمه ، أو نفاه وسكت عن توءمه ، أو هنئ به فسكت ، أو أمن على الدعاء ، أو أخر نفيه مع إمكانه لحقه نسبه ولم يملك نفيه . وإن قال : أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك ، وإن قال : لم أعلم به ، أو لم أعلم أن لي نفيه ، أو لم أعلم أن ذلك على الفور وأمكن صدقه قبل قوله ولم يسقط نفيه . وإن أخره لحبس ، أو مرض ، أو غيبة ، أو شيء يمنعه ذلك لم يسقط نفيه ، ومتى أكذب نفسه بعد نفيه لحقه النسب ولزمه الحد إن كانت المرأة محصنة ، أو التعزير إن لم تكن محصنة .
فصل
( ومن شرط نفي الولد ألا يوجد دليل على الإقرار به ) ، لأن الدليل على الإقرار به بمنزلة الإقرار به ، ( فإن أقر به ) لم يملك نفيه في قول أهل العلم ( أو ) أقر ( بتوءمه ، أو نفاه وسكت عن توءمه ) لحقه نسبه ، ولم يكن له نفيه ; لأنه إذا أقر بأحدهما كان إقرارا بالآخر ، ( أو هنئ به فسكت ) كان إقرارا به . ذكره أبو بكر ; لأن السكوت دليل على الرضا في حق المنكر ، فهنا أولى . ( أو أمن على الدعاء ) لزمه في قولهم جميعا ، وكذا إن قال : أحسن الله جزاءك ، أو بارك الله عليك ، أو رزقك الله مثله . ( أو أخر نفيه مع إمكانه ) وقيل : له نفيه في مجلس علمه فقط . ( لحقه نسبه ) لأن ذلك كله دليل على الإقرار به . ( ولم يملك نفيه ) لأن نفيه يثبت لنفي ضرر متحقق ، فكان على الفور كخيار الشفعة . قال أبو بكر : لا يتقدر ذلك بثلاث ، بل هو على ما جرت به العادة إن كان ليلا فحتى يصبح وتنتشر الناس ، وإن كان جائعا ، أو ظمآن فحتى [ ص: 96 ] يأكل ويشرب ، فإن كان ناعسا فحتى ينام ، أو يلبس ثوبه ويسرج دابته ويركب ويصلي إن حضرت . ( وإن قال : أخرت نفيه رجاء موته لم يعذر بذلك ) لأن الموت قريب وغير متيقن ، فتعليق النفي عليه تعليق على أمر موهوم . ( وإن قال : لم أعلم به ) أي : بالولادة وأمكن صدقه بأن يكون في مكان يخفى عليه ، بخلاف ما إذا كان معها في الدار ; لأن الأصل عدم العلم . ( أو لم أعلم أن لي نفيه ، أو لم أعلم أن ذلك على الفور ) وكان ذلك مما يخفى عليه كعامة الناس قبل منه ، ولأنهم يخفى عليهم كحديث العهد بالإسلام ، والناشئ ببادية ، فإن كان فقيها لم يقبل منه ; لأنه لا يخفى عليه مثله ، وقيل : بلى ; لأن الفقيه يخفى عليه كثير من الأحكام . ( وأمكن صدقه ) بما ذكرنا ( قبل قوله ) لأنه محتمل ( ولم يسقط نفيه ) لأنه معذور . ( وإن أخره لحبس ، أو مرض ، أو غيبة ، أو شيء يمنعه ذلك لم يسقط نفيه ) أي : إذا كان عذر يمنعه الحضور كما مثله وكالاشتغال بحفظ مال يخاف ضيعته ، فإن كانت مدة ذلك قصيرة لم يبطل نفيه ; لأنه بمنزلة من علم ليلا فأخره إلى الصبح ، وإن كانت طويلة وأمكنه السفر إلى حاكم ليبعث إليه من يستوفي عليه اللعان ، والنفي ، فلم يفعل سقط نفيه ، وإن لم يمكنه أشهد على نفيه أنه ناف لولد امرأته ، فإن لم يفعل بطل خياره ; لأنه إذا لم يقدر على نفيه قام الإشهاد مقامه .
فرع : إذا قال لم أصدق المخبر به ، وهو عدل ، أو قد استفاض الخبر ؛ لم يقبل قوله ، وإلا قبل منه ، وكل موضع لزمه الولد لم يكن له نفيه بعد ذلك ( ومتى أكذب نفسه بعد نفيه لحقه النسب ) أي : إذا لاعن امرأته ونفى [ ص: 97 ] ولدها ، ثم أكذب نفسه لحقه الولد إذا كان حيا غنيا كان أو فقيرا بغير خلاف ، وكذا إن كان ميتا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : إذا استلحق الولد الميت ، وكان ذا مال لم يلحقه ; لأنه إنما يدعي مالا وإلا لحقه . وقال الحنفية : إن كان الولد الميت ترك ولدا ثبت نسبه من المستلحق ، وتبعه نسب ابنه ، وإن لم يكن ترك ولدا لم يصح استلحاقه ، ولم يثبت نسبه ، ولا يرث منه المدعي شيئا ; لأن نسبه منقطع بالموت . وجوابه : أن هذا ولد نفاه باللعان ، فكان له استلحاقه كما لو كان حيا ، ولأنهم جعلوا نسب ولد الولد تابعا لنسب ابنه ، أي : يتبع الأصل الفرع ، وهو مردود . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري : إنما يدعي النسب ، والميراث تبع له . ( ولزمه الحد إن كانت المرأة محصنة ) سواء أكذبها قبل لعانه ، أو بعده بغير خلاف نعلمه ; لأن اللعان أقيم مقام البينة في حق الزوج ، فإذا أكذب نفسه ، فإن لعانه كذب وزيادة في هتكها وتكرار لقذفها ، فلا أقل من أن يجب الحد الذي كان واجبا بالقذف " المجرد " ، فإن عاد عن إكذاب نفسه ، وقال لي بينة أقيمها بزناها ، أو أراد إسقاط الحد باللعان لم يسمع ; لأن البينة ، واللعان لتحقق ما قاله ، وقد أقر بكذب نفسه ، فلا يقبل منه خلافه . ( أو التعزير إن لم تكن محصنة ) ، كقذف غير زوجته وحينئذ ينجر النسب من جهة الأم إلى جهة الأب كالولاء ، وتوارثا . وقد علم منه أنه إذا استلحقه ورثه ، وقد نفاه باللعان أنه لا يلحق به . نص عليه . وفي " المستوعب " رواية : لا يحد ، وإن نفى من لا ينتفي وأنه من زنا حد في رواية اختارها القاضي وغيره . وعنه : إن لم يلاعن ، اختارها أبو الخطاب ، والمؤلف . ومن نفى أولادا فلعان واحد .