فصل : وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول ، فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها ، وإن أفسدت نكاح نفسها سقط مهرها . وإن كان بعد الدخول وجب مهرها ولم يرجع به على أحد ، وذكر القاضي أنه يرجع به أيضا ورواه عن أحمد ، ولو أفسدت نكاح نفسها لم يسقط مهرها بغير خلاف في المذهب ، وإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى ، فانفسخ نكاحهما فعليه نصف مهر الصغرى يرجع به على الكبرى ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها ، وإن كان دخل بها فعليه صداقها ، وإن كانت الصغرى هي التي دبت إلى الكبرى ، وهي نائمة فارتضعت منها ، فلا مهر لها ويرجع عليها بنصف مهر الكبرى إن كان لم يدخل بها ، أو بجميعه إن كان دخل بها على قول القاضي ، وعلى ما اخترناه لا يرجع بعد الدخول بشيء . ولو كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى ، كل واحدة منهن رضعة حرمت عليه في أحد الوجهين ولم تحرم أمهات الأولاد . ولو كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه ، فأرضعن امراة له صغرى ، كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات ، وهل تحرم الصغرى ؛ على وجهين ، أصحهما تحرم وعليه نصف مهرها يرجع به عليهن على قدر رضاعهن يقسم بينهن أخماسا . فإن كان لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعن ثلاث نسوة صغارا حرمت الكبرى ، وإن كان دخل بها حرم الصغار أيضا ، وإن لم يكن دخل بها ، فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها ، أو لا ؛ على روايتين ، وإن أرضعن واحدة ، كل واحدة منهن رضعتين ، فهل تحرم الكبرى بذلك ؛ على وجهين .
فصل
( وكل من أفسد نكاح امرأة برضاع قبل الدخول ، فإن الزوج يرجع عليه بنصف مهرها الذي يلزمه لها ) لأنه قرره عليه بعد أن كان بعرض السقوط كشهود الطلاق إذا رجعوا ، وإنما لزمه نصف مهر الصغيرة ; لأن نكاحها انفسخ قبل الدخول بها من غير جهتها ، والفسخ من أجنبي كطلاق الزوج في وجوب الصداق عليه ( وإن أفسدت نكاح نفسها ) قبل الدخول ( سقط مهرها ) بغير خلاف نعلمه ; لأن الفسخ بسبب من جهتها كما لو ارتدت ، فعلى هذا إذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى ، فعلى الزوج نصف مهر الصغرى ، يرجع به على الكبرى وفاقا nindex.php?page=showalam&ids=13790للشافعي ، وقال بعض أصحابه : ترجع بجميع صداقها ; لأنها أتلفت البضع فوجب ضمانه ، وقال أبو حنيفة : إن كانت المرضعة أرادت الفساد رجع عليها بنصف الصداق وإلا فلا ، وقال مالك : لا يرجع بشيء ، وجوابه : أنه [ ص: 174 ] يرجع عليها بالنصف ; لأنها قررته عليه وألزمته إياه وأتلفت عليه ما في مقابلته فوجب عليها الضمان كما لو أتلفت عليه المبيع ، والواجب نصف المسمى ، لا نصف مهر المثل ; لأنه إنما يرجع بما غرم ، ولأن خروج البضع من ملك الزوج غير متقوم بدليل ما لو أفسدت نكاحها بقتل ، أو غيره ، فإنها لا تغرم له شيئا ( وإن كان بعد الدخول ) وأفسده غيرها ( وجب مهرها ) المسمى لها ( ولم يرجع به على أحد ) قال في " المحرر " : هو الأقوى ، وفي " المغني " هو الصحيح إن شاء الله تعالى ; لأنه لم يقرر على الزوج شيئا ، ولم يلزمه إياه ، فلم يرجع عليه بشيء كما لو أفسدت نكاح نفسها ، ولأنه لو ملك الرجوع بالصداق بعد الدخول لسقط إذا كانت المرأة هي المفسدة للنكاح كما قبل الدخول ( وذكر القاضي أنه يرجع به أيضا ورواه عن أحمد ) أي : نص عليه في رواية ابن القاسم ، وقدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن المرأة تستحق المهر كله على زوجها ، فترجع بما لزمه كنصف المهر المدخول بها ، ولهما الأخذ من المفسد . نص عليه ، واعتبر ابن أبي موسى للرجوع العمد والعلم بحكمه ( ولو أفسدت نكاح نفسها ) بعد الدخول ( لم يسقط مهرها بغير خلاف في المذهب ) وفي " المغني " : لا نعلم خلافا في ذلك كما لو ارتدت ، ولأن المهر استقر بالدخول ، والمستقر لا يسقط بعد استقراره ، ولا يرجع عليها الزوج بشيء إذا كان أداه إليها ، وقيل : يجب نصف المسمى إن أفسدته بعد الدخول ، وذكر القاضي أن لها نصف مهرها ، قاله في " المستوعب " ( وإذا أرضعت امرأته الكبرى الصغرى ، فانفسخ نكاحهما فعليه نصف مهر الصغرى ) لأن [ ص: 175 ] نكاحها انفسخ بغير سبب من جهتها ، وذلك يوجب نصف المهر على الزوج ; لأن الفسخ إذا جاء من أجنبي كان كطلاق الزوج في كون المهر عليه ( يرجع به على الكبرى ) لأنها هي التي تسببت في انفساخ نكاحه كما لو أتلفت عليه المبيع ، فإن كانت أمة ففي رقبتها ; لأن ذلك من جنايتها ، وإن أرضعت أم ولده زوجته الصغرى حرمت الصغيرة ; لأنها ربيبة دخل بأمها وتحرم أم الولد أبدا ; لأنها من أمهات نسائه ، ولا غرامة عليها ; لأنها أفسدت على سيدها ويرجع على المكاتبة ; لأنه يلزمها أرش جنايتها ( ولا مهر للكبرى إن كان لم يدخل بها ) لأنها هي التي تسببت إلى انفساخ نكاحها فسقط صداقها كما لو ارتدت . ( وإن كان دخل بها فعليه صداقها ) لأنه استقر بالدخول بدليل أنه لا يسقط بردتها ولا بغيرها . ( وإن كانت الصغرى هي التي دبت إلى الكبرى ، وهي نائمة فارتضعت منها ، فلا مهر لها ) لأنها فسخت نكاح نفسها ، وقاس في " الواضح " نائمة على مكرهة ( ويرجع عليها بنصف مهر الكبرى إن كان لم يدخل بها ) لأنها تسببت إلى فسخ نكاحها الموجب لتقرير نصف المسمى وأتلفت على الزوج البضع ، أشبه ما لو أتلفت عليه مبيعا ( أو بجميعه إن كان دخل بها على قول القاضي ) ونسبه في " الشرح " إلى الأصحاب لما تقدم ( وعلى ما اخترناه ، لا يرجع بعد الدخول بشيء ) فإن ارتضعت الصغيرة منها رضعتين ، وهي نائمة ، ثم انتبهت الكبيرة فأتمت لها ثلاث رضعات فقد حصل الفساد بفعلهما فيتقسط الواجب عليهما وعليه مهر الكبيرة وثلاثة أعشار مهر الصغيرة يرجع به على الكبرى ، وإن لم يكن دخل [ ص: 176 ] بالكبيرة فعليه خمس مهرها ، يرجع به على الصغيرة ، وهل ينفسخ نكاح الصغيرة ؛ على روايتين .
فرع : إذا أرضعت أم زوجته الكبرى المدخول بها زوجته الصغرى بطل نكاحها ; لأنهما أختان وله نكاح أيتهما شاء وتغرم المرضعة كل مهر الكبرى للزوج في الأصح ، وإن أرضعتها بنت زوجته الكبرى فهي كأمها ، وإن أرضعتها جدتها صارت الصغرى خالة الكبرى ، أو عمتها ، فانفسخ نكاحهما ونكح من شاء منهما ، وكذلك إن أرضعتها أختها أو زوجة أخيها بلبنه ; لأنها صارت بنت أخت الكبيرة ، أو بنت أخيه ، وكذلك إن أرضعتها بنت أخيها أو بنت أختها ولا تحرم واحدة منهن على التأبيد .
( ولو كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فأرضعن امرأة له صغرى كل واحدة منهن رضعة حرمت عليه في أحد الوجهين ) صححه في " الرعاية " ، وقدمه في " الفروع " وغيره ; لأنها ارتضعت من لبنه خمس رضعات كما لو أرضعتها واحدة منهن ، فعلى هذا تثبت الأبوة ( ولم تحرم أمهات الأولاد ) لأنه لم يثبت لهن أمومة ، والثاني لا يصير أبا لها ; لأنه رضاع لم تثبت به الأمومة ، فلم تثبت به الأبوة كلبن البهيمة ، فلو أرضعن طفلا لم يصيروا أمهات له وصار المولى أبا له ، وقاله ابن حامد وغيره ; لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات ، وقيل : لا تثبت الأبوة كالأمومة وكلبن الرجل والأول أصح ، فإن الأبوة إنما تثبت لكونه رضع من لبنه ، لا لكون المرضعة أما له ، وإذا قلنا بثبوت الأبوة حرمت عليه المرضعات لأنه ربيبهن وهن موطوءات أبيه فإن أرضعنه بغير لبن [ ص: 177 ] السيد لم يصر السيد أبا له بحال ، ولا يحرم أحدهما على الآخر في أصح الوجهين ، قاله في " الكافي " .
فرع : إذا كان له خمس بنات فأرضعن طفلا رضعة رضعة لم يصرن أمهات له ، وهل يصير الرجل جدا وأولاده إخوة المرضعات أخواله وخالاته ؛ على وجهين : أحدهما : يصير ; لأنه قد كمل للمرتضع خمس رضعات من لبن بناته كما لو كان من واحدة ، والآخر لا ; لأن كونه جدا فرع على كون ابنته أما ، وكونه خالا فرع على كون أخته أما ، ولم يثبت ذلك ، فلا يثبت الفرع ، وهذا الوجه أرجح ; لأن الفرعية متحققة ، فإن قلنا : يصير أخوهن خالا لم تثبت الخؤولة في حق واحدة منهن ، ولكن يحتمل التحريم ; لأنه قد اجتمع من اللبن المحرم خمس رضعات ، ولو كمل للطفل خمس رضعات من أمه وأخته وابنته وزوجته وزوجة ابنه ، فعلى الخلاف .
( ولو كان له ثلاث نسوة لهن لبن منه ، فأرضعن امرأة له صغرى ، كل واحدة رضعتين لم تحرم المرضعات ) لأن عدد الرضعات لم يكمل لكل واحدة منهن ( وهل تحرم الصغرى ؛ على وجهين ، أصحهما تحرم ) لأنها ارتضعت من لبنه خمس رضعات ، والثاني : علم من المسألة الأولى وجمع بينهما المؤلف في " الكافي " وصحح التحريم فيهما ( وعليه نصف مهرها ) لأن نكاحها انفسخ ، لا بسبب منها ( يرجع به عليهن ) لأنهن قررن ذلك عليه وتسببن إلى إتلاف البضع ، أشبه ما لو أتلفن مبيعه ( على قدر رضاعهن يقسم بينهن أخماسا ) لأنه إتلاف اشتركوا فيه ، فكان على كل واحدة بقدر ما أتلف كما لو أتلفوا عينا وتفاوتوا في الإتلاف .
[ ص: 178 ] فرع : إذا أرضعت امرأته طفلا ثلاث رضعات بلبن رجل ، ثم انقطع لبنها فتزوجت غيره فصار لها لبن فأرضعت به الطفل رضعتين صارت أمه بغير خلاف علمناه عند القائلين بأن الخمس محرمات ، ولم يصر الرجلان أبويه ; لأنه لم يكتمل عدد الرضاع من لبن واحد منهما ، ويحرم عليهما لكونه ربيبهما ، لا لكونه ولدهما ( فإن كان لرجل ثلاث بنات امرأة لهن لبن فأرضعن ثلاث نسوة صغارا حرمت الكبرى ) لأنها من جدات النساء وجدة الزوجة محرمة ( وإن كان دخل بها حرم الصغار أيضا ) لأنهن ربائب مدخول بأمهن ( وإن لم يكن دخل بها فهل ينفسخ نكاح من كمل رضاعها ، أو لا ؛ على روايتين ) لأن كل واحدة اجتمعت مع جدتها في النكاح ، أشبه ما لو اجتمعت مع أمها ، وقد تقدمت الروايتان فيما إذا اجتمعت مع أمها ( وإن وأرضعن واحدة كل واحدة منهن رضعتين فهل تحرم الكبرى بذلك ؛ على وجهين ) ، أصحهما تحرم ; لأنها صارت جدة بكون الصغرى قد كمل لها خمس رضعات من بناتها ، والثاني : قال في " الشرح " : وهو أولى ، لا تصير جدة ، ولا ينفسخ نكاحها ; لأن كونها جدة فرع على كون ابنتها أما ، ولم تثبت الأمومة فما هو فرع عليها أولى .