ومن شك في الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله ، فإن أخبره بذلك مخبر عن يقين ، قبل قوله ، وإن كان عن ظن لم يقبله ، ومتى اجتهد وصلى فبان أنه وافق الوقت ، أو ما بعده ، أجزأه ، وإن وافق قبله لم ، يجزئه .
( ومن شك في ) دخول ( الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله ) لأن الأصل عدم دخوله ، فلو صلى مع الشك لم يصح وإن أصاب ، كما لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد ، وقال ابن حمدان : من أحرم بفرض مع ما ينافيه ، لا مع ما ينافي الصلاة عمدا ، أو جهلا أو سهوا ، فسد فرضه ونفله يحتمل وجهين ، فلو غلب على ظنه دخوله كمن له صنعة جرت عادته بعمل شيء مقدر إلى وقت الصلاة ، أو قارئ جرت عادته بقراءة شيء فقرأه ، جازت صلاته ، جزم به جماعة ، لأنه أمر اجتهادي ، فاكتفي فيه بغلبة الظن كغيره ، ولأن الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظن ، ولا يعيد بحال ، صرح به في " المحرر " إلا أن يتيقن أن صلاته قبل الوقت ، وأما إذا تيقن كالعالم بالمواقيت ودقائق الساعات ، وسير الكواكب إذا لم يكن في السماء علة ، ولا مانع فمن باب أولى ، وقيل : إن قدر على اليقين لم يعمل بالظن ، وهو ظاهر ما قدمه ابن تميم ( فإن أخبره بذلك ) أي : بدخول الوقت ( مخبر ) ثقة ( عن يقين ) علم بأن قال : رأيت الفجر طالعا ، والشفق غاربا ( قبل قوله ) لأن خبره مع الثقة يفيد وجوب العمل به ، ولأنه خبر ديني أشبه الرواية ، وظاهره ولو أمكنه اليقين ( وإن كان عن ظن لم يقبله ) لأنه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه ، وتحصيل [ ص: 352 ] مثل ظنه أشبه حال اشتباه القبلة ، زاد ابن تميم ، وغيره : إلا أن يتعذر عليه الاجتهاد فيعمل بقوله ، والأعمى والمطمور القادران على التوصل بالاستدلال كالبصير القادر لاستوائهما في إمكان التقدير بمرور الزمان ، فإن كان الأعمى عاجزا عن معرفته بنفسه ، قلد بصيرا عالما به ، فإن عدم من يقلده فاجتهد ، وصلى أعاد إن أخطأ ، وإلا فلا ، ذكره السامري ، وغيره ، وسيأتي ، والأصح أنه يعيد مطلقا .
تذنيب : إذا سمع أذان ثقة عارف بالوقت فله تقليده ، لأن الظاهر أنه لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت ، فجرى مجرى خبره ، ولأنه مؤتمن ، لكن قال ابن عقيل وأبو المعالي ، وابن تميم : لا يعمل به في دار الحرب حتى يعلم إسلامه ، وفي كتاب أبي المعالي ، و " الرعاية " : لا أذان في غيم ، لأنه عن اجتهاد ، ويجتهد هو ، فدل أنه لو عرف أنه يعرف الوقت بالساعات ، أو تقليد عارف عمل به ، جزم به المجد ، وقال الشيخ تقي الدين : قال بعض أصحابنا : لا يعمل بقول المؤذن مع إمكان العلم بالوقت ، وهو خلاف مذهب أحمد ، وسائر العلماء المعتبرين . قلت : من الأمارات صياح الديك المجرب ، وكثرة المؤذنين .
( ومتى اجتهد ) قال الجوهري : الاجتهاد بذل الوسع في المجهود ، وفي " الروضة " الاجتهاد التام : أن يبذل الوسع في الطلب إلى أن يحس من نفسه بالعجز عن مزيد طلب ( وصلى فبان أنه وافق الوقت ) أجزأه ، لأن الصلاة وقعت الموقع ، لكونه أدى ما خوطب به ، وفرض عليه ( أو ما بعده أجزأه ) لأن الصلاة تقع بعد الوقت قضاء ، وهو مسقط للفرض ، ومجزئ عنه ( وإن وافق قبله لم [ ص: 353 ] يجزئه ) لأنه أداها قبل وقت الوجوب ، وتكون نفلا ، صرح به في ( " الوجيز " ) و ( " الرعاية " ) وكذا إذا ظن أن عليه فائتة فأحرم بها ، فبان أنها ليست عليه ، وقيل : تبطل ، وذكر ابن تميم ، وغيره أنه إذا أخبره ثقة عن علم أنه صلى قبل الوقت أعاد ، وإلا فلا ، ولا بد من الفرق فيما إذا اجتهد في القبلة ، وصلى فلا إعادة عليه ، وإن أخطأ بخلاف الاجتهاد في الوقت ، والفرق بينهما أن في القبلة أدى الصلاة بعد وجوبها عليه ، وفي الوقت أداها قبل وجوبها ، ثم تجدد سبب الوجوب ، وأيضا فإن تحصيل اليقين في الوقت ممكن بخلاف القبلة ، ذكره ابن المنجا ، وفي الآخر نظر .